الأسئلة الحديثية

علمنا أنَّ الراوي يمكن معرفة ضبطه وإتقانه بطريقة سبر رواياته ومقارنتها برواية الثقات، فكيف بطريقة السبر أيضاً يُعلم أنّه عدل في دينه؛ لأنَّ الراوية لا تقبل إلاّ من عدل ضابط؟

علمنا أنَّ الراوي يمكن معرفة ضبطه وإتقانه بطريقة سبر رواياته ومقارنتها برواية الثقات، فكيف بطريقة السبر أيضاً يُعلم أنّه عدل في دينه؛ لأنَّ الراوية لا تقبل إلاّ من عدل ضابط؟

يمكن أ، يعرفوا ضبطه عند جمع حديثه مع حديث غيره، فيوافق أو يخالف، وممكن معرفة هل قد اختلط أم لا؟ بأن يجمعوا حديثه، فيجدوا الأولين القدماء والمشايخ الكبار يروون عنه أحاديث مستقيمة، والذين هم من الطبقة النازلة أي: الأحداث الصغار يروون عنه أحاديث مضطربة، فيعرفون بذلك أنّ!ه قد اختلط، فيصنفون تلامذته إلى أقسام وطجبقات، فأصحاب الطبقة العالية يروون عنه أحاديث مستقيمة، والطبقات النازلة يروون عنه أحاديث فيها اضطراب([1])، فهذا يدل على أن الرجل قد اختلط أو تغيَّر، ويعرفون أيضاً الراوي هل هو مدلس أو غير مدلس من خلال النظر في حديثه، فإذا روى عن الثقات وصرح بالسماع، روى أحاديث مستقيمة، وإذا عنعن  روى أحاديث فيها نكارة، فيعرفون بذلك أنّه مدلس([2])، ويعرفون أيضاً من خلال النظر في حديثه: هل الضعف منه أو من تلامذته؟، فإذا روى عنه الثقات كانت أحاديثه مستقيمة، وإذا روى عنه الضعفاء كانت أحاديثه مضطربة علموا أن ذلك ممن دونه لا منه، هذا كله في باب الضبط، أما باب العدالة: فالعلماء ينظرون في حديث الراوي، مثال ذلك: محمد بن إسحاق صاحب «السيرة والمغازي» فقد ذكر ابن المديني وان حبان أنَّ روايته عن رجل، وعن رجل عنه، وعن رجل عنه وعن رجل عن رجل عنه، كل هذا يدل على صدقه وعدالته، انظر «الثقات» لابن حبان (7/384)([3])، فاستُدل على عدالة ابن إسحاق دينه وورعه؛ بأنّه كان يروي عن شيخه بواسطة، ويروي عن شيخه بغير واسطة، فقالوا: لو كان هذا الرجل غير عدل، وهو معروف بالرواية عن شيخه، فما الدافع له على أن ينزل في إسناد بعض الراويات عنه، ويروي عن شيخه بواسطة؟ وذكروا نحو هذا أيضاً عن ابن أبي شيبة في روايته عن أبيه، مما يدل على أنّه ورع يخاف الله، وإلا فلو كان مجازفاً، لحمل كل الراويات عن أبيه بالسماع، ولا وجه للإنكار عليه في ذلك فإنّه أبوه([4])، ونم ذلك أيضاً تحري الراوي في كتابه، فإذا نظر إمام في كتابه يراه يقول: كذا أو كذا، ويقول: أحسب كذا، ويضرب على بعض الأحاديث إذا شك فيها، كل هذا يدل على أمانته وورعه وعكسه عكسه، والله أعلم([5]).



[1])) جاء في ترجمة سعيد بن أبي عروبة قول العجلي رحمه الله روى عن ابن أبي عروبة في الاختلاط يزيد بن هارون وابن المبارك وابن عدي كلما روى عنه مثل هؤلاء الصغار فهو مختلط، إنّما الصحيح حديث حماد بن سلمة وابن علية، وعبدالأعلى عنه والثوري وشعبة صحيح «شرح العلل» لابن رجب (2/745).

([2]) ومثال ذلك: ما قاله ابن حبان رحمه الله في شأن بقية بن الوليد، قال رحمه الله -: لقد دخلت حمص وأكثر همي شأن بقية فتتبعت حديثه وكتبت: النسخ على الوجه، وتتبعت ما لم أجد بعلو من رواية القدماء عنه، فرأيته ثقة مأموناً ولكنه كان مدلساً سمع من عبيدالله بن عمر، وشعبة، ومالك أحاديث يسيرة مستقيمة ثم سمع عن أقوام كذابين ضعفاء متروكين عن عبيدالله بن عمر وشعبة ومالك مثل المجاشع بن عمرو، والسري بن عبدالحميد، وعمر بن موسى المثيمي، وأشباههم، وأقوام لا يعرفون إلا بالكنى فروي عن أولئك الثقات الذين رآهم بالتدليس ما سمع من هؤلاء الضعفاء وكان يقول: قال عبيدالله بن عمر، عن نافع، وقال مالك، عن نافع… «المجروحين» (1/200-201).

قلت: ويعرف بالتدليس أيضاً أنّه في حالة تحديثه عن المعروفين يحدث بأحاديث مستقيمة، وإذا حدث عن المجهولين أو كنى الرجل ولم يسميه باسمه، كان حديثه لا يساوي شيئاً، ومثال ذلك ما قاله أبوبكر بن أبي خيثمة، قال رحمه الله -: سئل يحيى بن معين عن بقية، فقال: إذا حدث عن الثقات مثل صفوان بن عمرو، وغيره (فاقبلوه)، وأمّا إذا حدث عن أولئك المجهولين فلا، وإذا كنى الرجل ولم يسمِّ الرجل فليس يساوي شيئاً. «تهذيب الكمال» (4/197).

[3])) قال ابن حبان رحمه الله -: سمعت محمد بن أحمد المسندي يقول: سمعت محمد بن نصر الفراء يقول: قلت لعلي بن المديني ما تقول في محمد بن إسحاق؟ فقال: ثقة قد أدرك نافعاً وروى عنه وروى عن رجل، عنه وعن رجل، عن رجل عنه، هل يدل هذا إلا على الصدق، قال أبو حاتم رضي الله عنه -: كان محمد بن إسحاق يكتب عمن فوقه ومثله ودونه لرغبته في العلم وحرصه عليه، وربّما يروي عن رجل عن رجل قد رآه، ويروي عن آخر عنه في موضع آخر، ويروي عن رجل عن رجل عنه، فلو كان ممن يستحل الكذب لم يحتج إلى النزول، بل كان يحدث عمن رآه ويقتصر عليه، فهذا مما يدل على صدقه وشهرة عدالته في الراويات… اهـ «الثقات» (7/384).

([4]) قال محمد بن عمر بن العلاء الجرجاني: سألت ابن معين عن سماع أبي بكر من شريك؟ فقال: أبوبكر عندما صدوق ولو ادّعى السماع من أجل من شريك لكان مصدقاً فيه وما يحمله على أنّه يقول وجدت في كتاب أبي بخطه… إلخ «تهذيب التهذيب» (6/3).

([5]) مثال ذلك: قول شعبة في ترجمة عمر بن قيس المكي: «لأن أكتب عن ابن عون «أحسب» «أحسب» أحب إليّ من أن أكتب من سندل وهو لقب عمر: «أشهد»، «أشهد» وكان سندل يقول: أشهد على عطاء أشهد على ابن عباس تذكرة الحفاظ (1/156) ونحوه ما جاء عن أ؛مد أنّه حدث بحديث عن سفيان فقال حسين بن منصور «خالفك يحيى بن يحيى» فقال: كيف قال يحيى؟ قال: فأخبرته فضرب على حديثه، وقال: لا خير فيما خالف فيه يحيى بن يحيى (10/515) «النبلاء».

وهذا يدل على مزيد احتياط وتحفظ أمّا غير العدل فإنه مجازف ومتساهل، والله أعلم، وانظر كلاماً حول هذا البحث في «شفاء العليل» للمؤلف حفظه الله تعالى (1/380)، وسيأتي كذلك إن شاء الله الكلام على جماعة من أهل العلم ممن عرفوا بوقف المرفوع وإرسال المتصل عند الشك، وأن ذلك من باب الاحتياط والورع، كما قيل في ابن سيرين، ومالك، وحماد بن زيد، انظر تفاصيل ذلك في السؤال رقم (118) والله أعلم.

للتواصل معنا