الأسئلة الحديثية

هل كلام الأقران في بعضهم البعض يُرد مطلقاً؟

هل كلام الأقران في بعضهم البعض يُرد مطلقاً؟

لا يُرد مطلقاً ولا يُقْبَل مطلقاً، ولكن فيه تفصيل:

فإذا علم أنَّ الذي تكلّم في أخيه بنفَس وغضب وانتصار لنفسه، ففي هذه الحالة لا يقبل قوله، ولكن كيف نعرف هذا؟ إذا رأينا الأئمة المعتدلين قد وثّقوه، وظهرت قرائن تدل على شيء من ذلك، علمنا أن ذلك مما للنفس فيه نصيب، مثال ذلك كلام ابن إسحاق، لما قال: هاتوا لي علم مالك فأنا بيطاره، فقال الإمام مالك: دجال من الدجاجلة([1])، هذه كلمة ما تقال إلا في الكذابين أهل الافتراء والاختلاق والوضع، فقالها في رجل صدوق عالم مشهور، وإن لم يكن في الحديث بتلك المنزلة التي هي كمنزلة غيره من الكبار، ففي هذه الحالة لم يأخذ النقاد بكلام مالك، كذلك مُطَيِّن وهو محمد بن عبدالله الحضرمي، ومحمد بن عثمان بن أبي شيبة، كل منهما قد تكلّم في الآخر، حتى قال فيه مطين: عصا موسى تلقف ما يأفكون، وتكلّم فيه بشدة([2])، فالعلماء في هذه الحالة لا يقبلون كلام الأقران في بعضهم إذا لاحت لوائح الغضب والانتصار للنفس، التي قد لا يسلم منها أحد، لكن إذا لم يكن هناك قرينة لهذا، قُبل كلام القرين في قرينه، فإن من أقوى وجوه الكلام في الرواة، كلام المعاصر في المعاصر له، وكلام البلديِّ في بلديِّه فنحن نقدم كلام أبي حاتم الرازي وكلام أبي زرعة الرازي وكلام محمد بن مسلم بن وارة الرازي، في محمد بن حميد الرازي على كلام غيرهم، لأنهم ثلاثة علماء رازيون من كبار علماء تلك الجهات يحكمون عليه بأنّه كذاب، فقدمنا كلام هؤلاء على كلام فلان وفلان، الذين حسَّنوا من حاله، والذين مشَّوْه؛ لأنَّ بلديَّ الرجل أعرف بصاحبه([3])، ولو أطلقنا قاعدة كلام الأقران وكلام المتعاصرين وكلام المتقاربين لا يقبل كلامهم في بعضهم، أسقطنا كثيراً من هذه المواضع، والعلم عند الله تعالى -.



([1]) انظر «الثقات» لابن حبان (7/380-381) و«ميزان الاعتدال» (3/469) و«سير أعلام النبلاء» (7/40-41) ونص ابن حبان قال رحمه الله -: «… لم يكن بالحجاز أحد أعلم بأنساب الناس وأيامهم من محمد بن إسحاق وكان يزعم أنَّ مالكاً موالي ذي أصبح وكان مالك يزعم أنّه من أنفسهم، فوقع بينهما لهذا مفاوضة فلما صنف مالك الموطأ قال ابن إسحاق: ائتوني به فإني بيطاره فنقل ذلك إلى مالك فقال: هذا دجال من الدجاجلة يروي عن اليهود وكان بينهم ما يكون بين الناس حتى عزم محمد بن إسحاق على الخروج إلى العراق فتصالحا حينئذ فأعطاه مالك عند الوداع خمسين ديناراً، نصف ثمرته تلك السنة… إلخ. اهـ.

قلت: وكلام مالك رحمه الله في ابن إسحاق لا يقصد به الحكم إنَّما خرج منه فلتة لسان عند سورة غضب كما نبه على ذلك الشيخ المعلمي رحمه الله في «تنكيله» (ص:254) والله أعلم.

([2]) قال الذهبي رحمه الله في «ميزان الاعتدال» (3/607) ترجمة محمد بن عبدالله بن سليمان الحضرمي: الحافظ مطين محدث الكوفة حط عليه محمد بن عثمان بن أبي شيبة، وحط هو على ابن أبي شيبة، وآل أمرهما إلى القطيعة ولا يعتد بحمد الله بكثير من كلام الأقران بعضهم في بعض، وفي ترجمة محمد بن عثمان بن أبي شيبة، قال الذهبي، وقال مطين: هو عصا موسى تلقف ما يأفكون. اهـ.

قال الذهبي: وذكر أبو نعيم الجرجاني فصلاً طويلاً إلى أن قال: فظهر إليّ أن الصواب الإمساك عن القبول من كل واحد منهما في صاحبه، قال: مطين وثّقه الناس وما أصغوا إلى ابن أبي شيبة. اهـ وانظر «تذكرة الحفاظ» (2/662) وللمؤلف حفظه الله تعالى تفصيل طيب في قولهم: فلان عصا موسى تلقف ما يأفكون، فانظره في «شفاء العليل» (ص:256).

([3]) أقول: والراوي الذي يطعن فيه أهل بلده قد لا يزيده ثناء الغرباء عليه إلا وهناً لأنَّ ذلك يشعر بأنّه كان يتعمد التخليط فتزين لبعض الغرباء واستقبله بأحاديث مستقيمة فظن أن ذلك شأنه مطلقاً فأثنى عليه، وعرف أهل بلده حقيقة حاله وجرحوه لذلك، وقد نبه على ذلك العلامة المعلمي رحمه الله في «تنكيله» (ص:763).

للتواصل معنا