الأسئلة الحديثية

ما الفرق بين تدليس التسوية وتدليس الإسناد؟

ما الفرق بين تدليس التسوية وتدليس الإسناد؟

التدليس عامة: هو إيهام وتعمية وتغطية من المدلِّس على السامع([1])، والعلماء قسَّموه إلى أقسام، منها القسمان اللذان ذكرتهما في السؤال: تدليس الإسناد، وتدليس التسوية.

فتدليس الإسناد: أن يأتي الراوي المدلس بعبارة توهم أنَّه سمع من شيخه، وليست صريحة بالسماع، كأن يقول: «قال، أو عن، أو ذكر فلان»، ولا يقول: «قال لنا»، ولا «ذكر لنا»، أو «سمعت» أو «حدّثني»، فهذا يعتبر إيهاماً منه وتغطية، فيؤدي هذا إلى توقفنا في روايته، حتى نتأكد هل سمع أم لم يسمع؟ وهذا النوع اشتهر عند علماء الحديث بتدليس الإسناد([2]).

وأريد أن أذكر هنا نكتة لطيفة في هذا الأمر، فلطالما قال كثير من طلبة العلم: العلماء يقسمون التدليس إلى قسمين: تدليس الإسناد، وتدليس الشيوخ، وتدليس الشيوخ واقع في الإسناد، فلماذا خصوا الأول باسم الإسناد؟ مع أن المتبادر لفهم السامع أنَّ تدليس الإسناد يدخل فيه الشيوخ والرجال جميعاً، والآخر يكون في المتن؟ والصواب: أنَّ تدليس الإسناد هنا معناه تدليس السماع، وبعضهم يعبر عنه بتدليس الصيغة، أي: صيغة التحمل، وألفاظ التحمل، ولذلك تجدهم في كتب الجرح والتعديل يقولون: «فلان عن فلان إسناد)، و«فلان عن فلان مرسل»، أي: فلان عن فلان سماع صحيح، وفلان عن فلان مرسل لم يسمع منه، أو لم يدركه، أو لم يلقه، فتدليس الإسناد هنا أي: تدليس السماع، وتدليس التسوية، هو إسقاط ضعيف أو صغير بين ثقتين أو مقبولين من السند، وقد ثبت سماع التلميذ فيه من شيخه في الجملة، فإذا جاء مدلس، كالوليد بن مسلم، وصرّح بالسماع من الأوزاعي مثلاً، ولكن بين الأوزاعي ونم فوقه كالزهري عنعنة، فلا زال الحديث فيه تدليس، ولا نقبله، إلا إذا كان التصريح بالسماع بين الأوزاعي والزهري مثلاً، فإذا كان أحد الثقتين أو المقبولين الذي سقط بينهما الضعيف أو الصغير، لم يسمع من شيخه، فهنا لا يقال: تدليس تسوية، إنّما يكون تسوية، وبذلك يتضح لنا الفرق بين تدليس التسوية والتسوية.

«فتدليس التسوية»: إسقاط ضعيف أو صغير بين مقبولين ثبت سماع الراوي من شيخه.

والتسوية: إسقاط ضعيف أو صغير بين مقبولين لم يثبت سماع الراوي من شيخه، ومن هنا عاب الأئمة التدليس، ولم يعيبوا الإرسال؛ لأنّه  إذا أرسل علم السامعون أن الإسناد فيه انقطاع، وأن الإسناد ليس بمتصل، ولكن عابوا التدليس؛ لأنّه يقول: «قال فلان»، وفلان هذا؛ هو شيخه في غير هذا الحديث، فيوهم السامعين أنّه سمع هذا الحديث منه، ولم يسمعه في واقع الأمر، والله أعلم.

س 83: هل هناك فرق بين قولهم: «سوّاه فلان» و«جوّده فلان»؟

ج 83: نعم، هناك فرق بينهما، وذلك أنَّ قولهم: «سوّاه فلان» لا يكون إلا ذماً، وأمّا قولهم: «جوَّده فلان» فيأتي على وجهين:

أحدهما بالذم كقولهم: «سوّاه فلان»([3])، وذلك إذا أسقط الضعيف أو الصغير من السند ليظهره مستوياً بالثقات، أو يروي الحديث سالماً من العلة، مع أنَّ الصواب من رواية الثقات، أن الحديث به علّة، ومن رواه سالماً منها، فقد وهم، فمعنى: «جوَّده» هنا أي: رواه جيداً سالماً من العلة، ولكن بجمع الطرق يتضح أن الصواب وجود العلة وإعلال الحديث بها، وزوال العلّة كأن يصرح الراوي بسماع مدلس، أو تسمية مبهم، أو ثبوت واسطة بها يتصل السند، أو يقرن بين ضعيفين كل منهما يتابع الآخر، أو غير ذلك، فإن كان المجوِّد واهماً في ذلك قالوا: «جوده فلان» على سبيل القدح فيه.

والوجه الثاني لهذا اللفظ: أنَّه يأتي على سبيل المدح والقبول من الراوي، وذلك إذا روى الحديث سالماً من العلّة بخلاف غيره، لكن مع من جوّد قرينة تجعلنا نقبل منه، كأن يكون ملازماً للشيخ المُختلَف عليه، أو كون التلميذ من الحفّاظ الذين يوثق بروايتهم، أو غير ذلك([4])، فالتسوية لا تكون إلا بنقص في السند، لكن التجويد أحياناً يكون بنقص في السند وأحياناً بزيادة في السند، سواء كان مدحاً أو ذمّاً، والله أعلم.



([1]) قال الحافظ: هو مشتق من الدلس وهو الظلام.

قال ابن السيد وكأنه أظلم أمره على الناظر لتغطية وجه الصواب فيه، انظر «النكت» للحافظ ابن حجر (2/614) و«توضيح الأفكار» (1/346-347).

[2])) وممّن نص على ذلك الخطيب رحمه الله في «الكفاية» حيث قال: تدليس الحديث الذي لم يسمعه الراوي ممن دلسه عنه بروايته إياه على وجه يوهم أنّه سمعه منه، ويعدل عن البيان لذلك ولو بيَّن أنَّ لم يسمعه من الشيخ الذي دلّسه عنه فكشف ذلك لصار بيانه مرسلاً للحديث غير مدلس. اهـ من (ص510).

[3])) قال الحافظ رحمه الله -: والتحقيق أن يقال: متى قيل: تدليس التسوية فلا بدّ أن يكون كل من الثقات الذين حذفت بينهم الوسائط في ذلك الإسناد قد اجتمع الشخص منهم بشيخ شيخه في ذلك الحديث، وإن قيل: تسوية بدون لفظ التدليس لم يحتج إلى اجتماع أحد منهم بمن فوقه كما فعل مالك فإنّه لم يقع في التدليس أصلاً ووقع في هذا؛ فإنّه يروي عن ثور، عن ابن عباس، وثور لم يلقه، وإنّما روى عن عكرمة عنه فأسقط عكرمة لأنّه غير حجة عنده، وعلى هذا يفارق المنقطع بأن شرط الساقط هنا أن يكون ضعيفاً فهو منقطع خاص ذكره السيوطي في «تدريب الراوي» (1/226)، وقال الحافظ في «نكته» على ابن الصلاح: فهذا مالك قد سوى الإسناد (بإبقاء) من هو عنده ثقة وحذف من ليس عنده بثقة، فالتسوية قد تكون بلا تدليس، وقد تكون بالإرسال فهذا تحرير القول فيها. (2/618) من «النكت».

قلت: وقد سبق هذا مفصّلاً في السؤال رقم (25)، والله أعلم.

([4]) كثيراً ما يأتي هذا اللّفظ على سبيل المدح، انظر بعض الأمثلة على ذلك في «علل الدّارقطني» (ج3 ص: 101 سؤال 303) حيث قال في رواية حجّاج بن محمد: «فجود إسناده ووصله وضبطه» اهـ وكذا في (ج3 ص105 سؤال رقم 307) وفي «علل الحديث للرازي» (ج1 ص329 برقم 980)، (2/131 رقم 1885) وكذا في رقم (2655).

للتواصل معنا