الأسئلة الحديثية

هل كل من خرَّج له البخاري أو مسلم في الأصول، يكون معدلاً في الراوية؟ وكيف لو رأينا غيرهما يتكلّم فيه؟

هل كل من خرَّج له البخاري أو مسلم في الأصول، يكون معدلاً في الراوية؟ وكيف لو رأينا غيرهما يتكلّم فيه؟

ليس كل من خرج له البخاري أو مسلم في الأصول يكون معدلاً في الراوية مطلقاً، فمثلاً إسماعيل بن عبدالله بن أويس؛ أخرج له البخاري احتجاجاً في داخل «الصحيح»([1])، وفليح بن سليمان العدوي؛ أخرج له البخاري ومسلم رحمهما الله احتجاجاً، وكلاهما لا يحتج به خارج «الصحيح»، لكن كيف أخرج صاحب «الصحيح» في الأصول لرجل لا يحتج به؟ الجواب: أنَّ صاحب «الصحيح» أخرج له انتقاء من حديثه، أو أنّه أخرج من حديثه ما علم أنَّ له أصلاً، أو ما توبع عليه، أو أنَّه أخرج مثلاً الحديث الذي من كتابه، وإن كان سيئ الحفظ، هذه أشياء يعتذر بها لصاحب «الصحيح»([2]).

أمّا أن يقال: إن كل من أخرج له البخاري أو مسلم احتجاجاً يكون ثقة مطلقاً، فلا([3])، وفي المقابل أنَّهما لم يخرجا عن كل الثقات، وإذا كنَّا نجمع بين قول البخاري في الراوي: «ثقة» وبين قول غيره إذا ضَعَّف نفس الراوي، فكيف لا نلتفت إلى كلام من جرح لإخراج البخاري أو مسلم عن الراوي، مع أنَّ الإخراج ليس توثيقاً صريحاً، فقد يكون توثيقا للراوي في شيخ معين، وهو الذي أخرج له صاحب «الصحيح» في روايته عنه، وقد يكون في حديث معين أو أحاديث، أما القول بأنه ثقة، فهو أصرح وأشمل في التعديل من مجرد إخراج حديث الراوي، والله أعلم.



([1]) قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى في «هدي الساري» (ص:391): وروينا في مناقب البخاري بسند صحيح أنَّ إسماعيل أخرج له أصوله وأذن له أن ينتقي منها وأن يعلم له على ما يحدث به ليحدث به ويعرض عما سواه، وهو مشعر بأن ما أخرجه البخاري عنه هو صحيح الحديث، لأنَّه كتب من أصوله وعلى هذا لا يحتج بشيء من حديثه غير ما في «الصحيح» من أجل ما قدح فيه النسائي وغيره، إلا أن يشاركه فيه غيره فيعتبر به. اهـ.

([2]) جاء في التوضيح أنَّ النووي ذكر فصلاً مستقلاً فيما انتقد على مسلم فقال: عاب عائبون مسلماً بروايته في «صحيحه» عن جماعة من الضعفاء، المتوسطين، الواقعين في الطبقة الثانية الذين ليسوا من شروط الصحيح، ولا عيب عليه في ذلك بل جوابه من أوجه ذكرها ابن الصلاح:

أحدها: أن يكون ذلك فيمن هو ضعيف عند غيره ثقة عنده، بل نقل عن الخطيب وغيره أنه قال ما احتجّ به البخاري ومسلم وأبو داود من جماعة علم الطعن فيهم من غيرهم محمول على أنّه لم يثبت المؤثر مفسراً.

قلت أي الصنعاني -: وهذا هو الذي أشار المصنف آنفاً.

الثاني: أن يكون واقعاً في المتابعات والشواهد لا في الأصول.

الثالث: أن يكون ضعف الضعيف الذي احتج به طرأ بعد أخذه باختلاطه وذلك غير قادح فيما رواه من قبل في زمن الاستقامة.

الرابع: أن يعلو بالشخص الضعيف إسناده وهو عنده من رواية الثقات نازل فيقتصر على العالي ولا يطول بإضافة النازل إليه مكتفياً بمعرفة أهل الشأن في ذلك، وهذا القدر قد رويناه تنصيصاً. اهـ.

قال الصنعاني: ولا يخفى على الناقد ما في هذه الوجوه. اهـ (ص:132-133).

وفي التدريب: ذكر أمثلة لبعض هذه الأعذار فمثلاً عند الكلاوم على الراوية قبل الاختلاط قال كأحمد بن عبدالرحمن بن أخي عبدالله بن وهب اختلط بعد الخمسين ومائتين بعد خروج مسلم من مصر وعن عذر العلو قال أي: ابن الصلاح -: فقد روينا أنّ أبا زرعة أنكر عليه روايته عن أسباط بن نصر وقطعن وأحمد بن عيسى المصري، فقال: إنّما أدخلت من حديثهم ما رواه الثقات عن شيوخهم إلا أنّه ربّما وقع إليّ عنهم بارتفاع ويكون عندي من رواية أوثق منه بنزول فاقتصر على ذلك ولامه أيضاً على التخريج عن سويد، فقال: من أين كنت آتي بنسخة حفص عن ميسرة بعلو. اهـ (ص:97-98).

([3]) ارجع إلى كلام المؤلف حفظه الله تعالى في كتابه «شفاء العليل» (1/366-367):

(تنبيه):

الرواة الذين احتج بهم صاحبا «الصحيحين»، أ, أحدهما يكتسبون التوثيق الضمني بذلك وإن لم ينص أحدهم على توثيقهم وينفعهم ذلك في رفع الجهالة عنهم، ويوضح ذلك قول الحافظ الذهبي بعد نقله لقول ابن القطان في حفص بن بغيْل: لا يعرف له حال.

قال ابن القطان: يتكلّم في كل من لم يقل فيه إمام عاصر ذلك الرجل أو أخذ عمن عاصره ما يدل على عدالته وهذا شيء كثير، ففي «الصحيحين» من هذا النمط خلق كثير مستورون ما ضعفهم أحد ولا هم بمجاهيل «ميزان الاعتدال» (1/556).

وكذا قوله في نفس المصدر: بعد نقله لقول ابن القطان في مالك بن الخير: هو ممن لم تثبت عدالته يريد أنّه ما نصّ أحد على أنّه ثقة، وفي رواة «الصحيحين» عدد كثير ما علمنا أنَّ أحداً نص على توثيقهم (3/426).

والناظر في الكلام السابق يجد الحافظ الذهبي يحتج على ابن القطان الذي يحكم بالجهالة على كل من لم يقل فيه إمام عاصر ذاك الرجل أو أخذ عمن عاصره ما يدل على عدالته، احتج عليه برجال ينطبق عليهم وصف ابن القطان ومن ذلك ليسوا بمجاهيل، وذلك لاكتسابهم التوثيق الضمني وهو إخراج الشيخين لهما في «صحيحيهما» وقد صرح الذهبي بذلك في «موقظته» (ص:78) حيث قال: الثقة من وثقه كثير ولم يضعف ودونه من لم يوثق ولا ضُعِّف فإن خُرِّج حديث هذا في «الصحيحين» فهو موثق بذلك. اهـ والله أعلم.

للتواصل معنا