هناك من يقول: إنَّ الشذوذ عبارة عن تفرد الراوي عن شيخه بالرواية؛ لأنَّ الشيخ إذا كان له تلامذة كثيرون، وانفرد بالراوية عنه أحدهم، ولم يرو بقية تلامذته هذا الحديث أصلاً، دلَّ هذا على شذوذه فما صحة ذلك؟
لا، الشذوذ يكون إذا اشتركوا جميعاً في أصل الحديث، وانفرد هو بالزيادة، أمَّا إذا انفرد هو بالحديث تاماً، فلا؛ لأنَّه في هذه الحالة يكون قد روى حديثاً مستقلاً، وليس الشذوذ أن يروي المقبول ما لا يرويه غيره، إنّما الشذوذ أن يخالف المقبول من هو أوثق منه، كما ذكر الشافعي – رحمه الله – قريباً من ذلك([1])، وإذا كان مراد السائل، أن الراوي المنفرد بحديث مستقل يكون شاذاً، فعلى قوله لا يصح حديث في الدنيا لا متواتر ولا آحاد، كلها تكون شاذة بناءً على هذا القول الفاسد؛ لأنّنا لو فرضنا أنَّ شيخاً له مائة تلميذ، فروى هذا الحديث عنه واحد، إذاً فالواحد خالف تسعة وتسعين؛ لأنَّ القائل يرى أنَّ مجرد التفرد مخالفة، ويعتبر شذوذاً، فلو رواه عنه عشرون نفساً – لكانوا حسب هذا القول – مخالفين لثمانين، فهو شاذ أيضاً، فانظر إلى قول يصل بطلانه إلى هذا الحد!! فلو سلَّمنا بقول القائل هذا، للزمنا أن نهدم السنة تماماً، ولا يصح فيها حيث، وما أدى إلى باطل فهو باطل، لكن الصواب في ذلك: أن يُقْبل حديث العدل، ما لم تقم قرينة تدل على وهمه، والله أعلم.
([1]) قال ابن أبي حاتم في «أدب الشافعي ومناقبه» ثنا يونس نفسه، قال: سمعت الشافعي يقول: «ليس الشاذ من الحديث أن يروي الثقة حديثاً لم يروه غيره إنّما الشاذ من الحديث، أن يروي فيشذ عنهم واحد فيخالفهم».
وفي لفظ آخر: «إنّما الشاذ: أن يروي الثقات حديثاً على وجه ثم يرويه ثقة: خلافاً لروايتهم، فهذا الذي يقال: شذّ عنهم» اهـ (ص:233-234).