الأسئلة الحديثية

ما حكم حديث الراوي المختلَف في توثيقه، مع العلم بأن الحافظ يقول: إنَّ غايته أن يكون حديثه حسناً؟

ما حكم حديث الراوي المختلَف في توثيقه، مع العلم بأن الحافظ يقول: إنَّ غايته أن يكون حديثه حسناً؟

عبارة الحافظ رحمه الله معناها: أنَّه ينزل إلى الضعف، إلا إذا تسامحنا فيه، فيُحَسّن حديثه، وقد ذكر شيخنا الشيخ ناصر الدين الألباني رحمه الله تعالى، وجزاه عن السُّنة خير الجزاء في «السلسلة الصحيحة» موسى بن وردان، وقال: نقل العراقي أنَّه مختلف فيه، قال: «والمختلف فيه هو حسن الحديث، لأنَّ رواة الحسن مختلف فيهم([1])».

وفي هذا بحث: فما معنى كلمة: «مختلف فيه»؟ هل معناها؛ أننا قد نظرنا في ترجمة الرجل، فلم نَر إلا كلمة واحدة من أحد الأئمة، وهي قوله: «مختلف فيه»، أو «فيه اختلاف»؟ أم أنَّ معناها؛ أننا نظرنا في ترجمة الراوي، فرأينا أئمة وثَّقوه، وأئمة ضعَّفوه؟ لا شك أنَّه إذا كان المقصود بهذه كلمة الأمر الثاني؛ فتحسين من هذا حاله مطلقاً غير صحيح، بل لابد في مثل هذا من أن ننظر في الموثِّق والمجرِّح من جهة التشدد، والتساهل، والاعتدال، ومَنْ عدَّله عدَّله في جانب، ومن جرَّحه جرّحه من جانب آخر؟ أم أنَّ الاثنين تواردا على موضع واحد؟ كل هذه الأمور لا بدّ من دراستها والنظر فيها([2])، وفي النهاية نحكم على الرجل بما يستحق، فقد يترجح التوثيق، فنقول: «ثقة»، وقد يترجّح التضعيف، فنقول: «ضعيف»، وقد يترجَّح أنَّه كذّاب، فنقول: «كذّاب»، هذا معنى الاختلاف في هذه الحالة، وكثير من التراجم على هذه الحالة، فلو قلنا: «كل مختلف فيه بهذا المعنى حسن الحديث»، فأكثر الرواة المترجم لهم هم في منزلة الحسن، وهذا غير صحيح، أمّا إذا لم نرَ فيه إلا كلمة: «فيه اختلاف»، أو «مختلف فيه»، فهي من عبارات التجريح التي هي في الشواهد والمتابعات، وهي عبارة جرح خفيف، فلا يكون صاحبها «حسن الحديث»، وقد ذهب إلى ما قررته العراقي وغيره من الذين ذكروا ألفاظ الجرح والتعديل، فقد ذكروا لفظة: «فيه اختلاف»، و«فيه خلف»، و«مختلف فيه»، من عبارات الشواهد والمتابعات، أو من عبارات التجريح الخفيفة([3])، فلا يكون حديثه حسناً إلا بشروط، ليس هذا موضع بسطها، والله أعلم.



([1]) كلام الشيخ حفظه الله تعالى في «الصحيحة» (1/برقم 468) (ص:214-215) قال ونص قول العراقي في ابن وردان: «مختلف فيه» ليس نصاً في تضعيفه، بل هو إلى تقويته أقرب منه إلى تضعيفه لأنَّ المعهود في استعمالهم لهذه العبارة «مختلف فيه» أنَّهم لا يريدون التضعيف، بل يشيرون ذلك إلى أنَّ حديثه حسن، أو على الأقل قريب من الحسن، ولا يريدون تضعيفه مطلقاً، لأنَّ من طبيعة الحديث الحسن أن يكون في راويه اختلاف، وإلا كان صحيحاً.

([2]) قلت: والنظر إلى القرائن في هذه الحالة هو صنيع الأئمة المتقدمين، فهذا ابن المديني رحمه الله تعالى يقول: «إذا اجتمع يحيى بن سعيد وعبدالرحمن بن مهدي على ترك رجل لم أحدث عنه، فإذا اختلفا أخذت بقول عبدالرحمن بن مهدي على ترك رجل لم أحدث عنه، فإذا اختلفا أخذت بقول عبدالرحمن بن مهدي لأنَّه أقصدهما وكان في يحيى تشدد» اهـ، «تهذيب التهذيب» (6/280).

الشاهد هو نظر ابن المديني إلى القرائن والترجيح بين قولي الإمامين، ولم يقل أنَّ من اختلفا فيه فهو حسن على الإطلاق، وقد أجاب بنحو جواب الشيخ حفظه الله شيخنا مقبل بن هادي الوادعي رحمه الله تعالى في كتابه «المقترح» السؤال رقم (165).

وانظر ما قاله المعلمي عند تعقبه على الكوثري في قوله: «أحمد بن صالح مختلف فيه» «التنكيل» (ص:309) ترجمة أحمد بن صالح وراجع في ذلك «شفاء العليل» المرتبة الأولى من مراتب التجريح (ج1 ص:152-153).

([3]) انظر «فتح المغيث» للحافظ السخاوي رحمه الله تعالى (1/372-373) وشرحه لقول العراقي في ألفيته:

ما هو فيه خُلْف طعنوا         فيه كذا سيء حفظ لين

للتواصل معنا