الأسئلة الحديثية

كيف دوّن العلماء الذين صنّفوا في تراجم الرواة نصوص الأئمة في الرواة جرحاً وتعديلاً؟

كيف دوّن العلماء الذين صنّفوا في تراجم الرواة نصوص الأئمة في الرواة جرحاً وتعديلاً؟

من أئمة الجرح والتعديل من له تلامذة يسألونه ويدونون إجاباته في كتبهم، وقد وصلت إلينا هذه الكتب ولله الحمد والمنّة مثل أسئلة تلامذة ابن معين، وتلامذة أحمد له، وأسئلة ابن أبي حاتم لأبيه ولأبي زرعة، وأسئلة تلامذة الدارقطني له، وغيرهم.

وهناك أئمة صنَّفوا كتباً للرواة، وتكلّموا عليهم وعلى أحاديثهم فيها، مثل «تواريخ البخاري»، وهناك من له إسناد إلى هؤلاء الأئمة، فيسوق نصوصهم، بالإسناد إليهم، كابن عدي في «كامله»، والعقيلي في «ضعفائه»، – على فساد في مطبوعة الكتابين وابن أبي حاتم كثيراً ما يسوق إسناده إلى من روى عنه جرحاً أو تعديلاً، كأحمد ويحيى وابن مهدي وغيرهم، وكذلك يفع البستي في «المجروحين».

وبالنسبة للمتأخرين مثل المزي، والعسقلاني في «التهذيب»، و«تهذيبه»، والذهبي في «الميزان»، والعسقلاني في «اللسان»، وغير ذلك([1])، فإنهم يتتبعون كلام الأئمة في بطون الكتب، سواء كانت كتب رجال مصنّفة ومبوبة على حروف المعجم، أو البلدان، أو الطبقات، أو غير ذلك، أو كتب حديث وأسانيد، أو كتب علل يتكلّم فيها مصنفوها على الرجال بين مُقِلِّ ومكثرٍ في ذلك، وهذا القسم هو الذي يحتاج إلى مزيد تحر وتثبت عند نقله إلى الكتب التي صنّفها هؤلاء المتأخرون رحمهم الله في الرجال؛ لأنّه من المحتمل أن يكون أحد الأئمة ضعَّف أحد الرواة في حديث بعينه، لا في كل حديثه، فنم الخطأ أن يقال: «ضعفه فلان» بدون تقييد هذا الضعف بحديث بعينه، أو في شيخ بعينه، أو في بلد دون أخرى، أو في مجلس دون آخر، وهكذا، وقد تكلَّمت على ذلك بتوسع في «شفاء العليل» عند كلامي على أساليب الأئمة في الكلام على الرواة، فليراجع([2])، ونحن من باب حسن الظن بعلمائنا والثقة في فهمهم وإتقانهم لهذه الأمور، ومن باب العمل بخبر العدل، نأخذ بنقلهم لكلام الأوّلين، حتى يظهر لنا ما يوجب الوقف في ذلك، إذا تمكّنا من الرجوع للأصول، وقد وقفت أثناء تحقيقي لـ «التقريب» على تصرف بعض من ذكرت في العبارات، بما يحيلها عن وجهها الذي قِيلَتْ فيه، لكن من المحتمل أنَّ هؤلاء الحفّاظ قد وقفوا على نسخة أخرى فيها ما ذكروه، كما أنَّه من المحتمل أن يكونوا قد ذكروا هذا النص المتصرَّف فيه من حفظهم، والحفظ قد يخون، فعلى كل حال إن استطاع طالب العلم أن يرجع للأصول التي نقل منها الحفّاظ المتأخرون لكان أفضل، وإلا فالأخذ بخبر هؤلاء العدول قامت عليه الأدلّة الثابتة والعلم عند الله تعالى -.



([1]) وقد يقف الباحث على كثير من ألفاظ الجرح والتعديل في كتب الأئمة المبوبة على الأبواب الفقهية مثل كتب السنن، ومنها على سبيل المثال: سنن الإمام الترمذي، والنسائي، والدارقطني والبيهقي وغيرها وكذلك الكتب المرتبة على المسانيد كمسند البزار وغيره، وهناك الشيء الكثير في «مستدرك» الحاكم رحمه الله تعالى -. اهـ.

([2]) انظره في (ص:531-548).