الأسئلة الحديثية

هل الأصل في الحديث عدم العلّة حتى تثبت العلة، أم أنَّه لا بد أن نتأكد من عدم وجود العلة؟

هل الأصل في الحديث عدم العلّة حتى تثبت العلة، أم أنَّه لا بد أن نتأكد من عدم وجود العلة؟

الأمر الثاني هو الصواب، وهو الذي رجّحه الحافظ ابن حجر رحمه الله في «النكت» (1/474)([1])، والسخاوى رحمه الله في «فتح المغيث»([2])، فلا بد أ، نتأكد من عدم وجود العلّة حتى نحكم على الحديث بأنّه صحيح، ولذلك فرَّق بعض أهل العلم بين قول أحدهم: «إسناد صحيح» و«حديث صحيح»([3]).

فالقول الأول باعتبار توفر الاتصال والعدالة والضبط في رجال السند، والقول الثاني باعتبار وجود الشروط المذكورة، مع زيادة نفى الشذوذ وأي علّة تقدح في صحّة الحديث، لكن لو أنَّ إماماً من الأئمة صحح الحديث، وقد وُجِد في كلام بعض المتقدّمين أنّهم لا يفرقون بين قولهم: «إسناد صحيح» و«حديث صحيح» فيطلقون قولهم: «إسناده صحيح» ويقصدون به أنَّ الحديث صحيح، فإن كان كذلك فنحن نقبل تصحيح الإمام من الأئمة، أو العالم من علماء هذا الشأن.

ونقول: الأصل أنّه قد نظر في الحديث وصححه بعد أن علم أنَّه سالم من العلّة، فنحن نعمل به حتى يثبت لنا أنَّ فيه علة، هذا أمر بخلاف قول من قال: الأصل في الحديث الذي يتصل رواة إسناده بالسماع، ويكونون عدولاً ضابطين، أن هذا الحديث صحيح حتى تظهر فيه علة؛ لأنَّنا لا نحكم عليه بالصحة، حتى يثبت أنّه لم يكن فيه علّة، فالأمر الثاني هو الراجح، والأئمة قد اشترطوا في تعريف الحديث الصحيح شروطاً إيجابياً وسلبية، فالشروط الإيجابية: ثبوت الاتصال، والعدالة، والضبط، وأمّا الشرطان السلبيات: فنفي الشذوذ، والسلامة من العلة، ففي هذه الحالة لا نستطيع أن نقول لوجود الشروط الإيجابية فقط: قد صح الحديث.

لكن لنا أن نقول: صح الإسناد، والعلماء لم يعرفوا السند الصحيح فقط، إنَّما عرفوا الحديث الصحيح، فإذا كان الرجل قد بحث الحديث من جميع طرقه، وتوسع في ذلك، ونظره في مظانه من كتب أهل العلم، وترجع له في النهاية أنَّ هذا الحديث صحيح، فله أن يجزم، ويقول: «هذا حديث صحيح» وأمَّا إذا لم يبحث، ولم يعط الأمر هذا حقه، فاحتياطاً وتحرزاً ينبغي أن يقول: «إسناده صحيح»، والله أعلم.



([1]) ذكر ذلك الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى وقد علق على قول ابن الصلاح في مقدمته (ص:113)… غير أنَّ المصنف المعتمد منهم (أي: من أهل الحديث) إن اقتصر على قوله: إنَّه صحيح الإسناد ولم يذكر له علّة ولم يقدح فيه فالظاهر منه الحكم له بأنّه صحيح في نفسه؛ لأنَّ عدم العلّة والقادح هو الأصل والظاهر والله أعلم -.

قال الحافظ: قلت: لا نسلم أنَّ عدم العلّة هو الأصل إذ لو كان هو الأصل ما اشترط عدمه في شرط الصحيح فإذا كان قولهم: صحيح الإسناد يحتمل أن يكون مع وجود العلّة لم يتحقق عدم العلّة فكيف يحكم له بالصحة.

وقوله: وإن المصنف المعتمد إذا اقتصر… إلخ يوهم أنَّ التفرقة التي فرقها أولاً مختصة بغير المعتمد وهو كلام ينبو عنه السمع لأنَّ المعتمد هو قول المعتمد، وغير المعتمد لا يعتمد، والذي يظهر لي أنَّ الصواب التفرقة بين من يفرق في وصفه الحديث بالصحة بين التقييد والإطلاق وبين من لا يفرق فمن عرف عن حاله بالاستقراء التفرقة بحكم له بمقتضى ذلك، ويحمل إطلاقه على الإسناد والمتن معاً وتقييده على الإسناد فقط ومن عرف من حاله أنّه لا يصف الحديث دائماً وغالباً إلا بالتقييد، فيحتمل أن يقال في حقه ما قال المصنف آخراً والله أعلم اهـ من «النكت» (1/474).

قال الإمام الصنعاني رحمه الله في «التوضيح» (1/235) بعد نقله لكلام الحافظ: ومراده بالإطلاق عدم ذكر السلامة بعد وصفه بالصحة وبالتقييد ذكرها وهو كلام متجه، والله أعلم.

([2]) «فتح المغيث» (1/18-19) قال رحمه الله -: «وأما من لم يتوقف من المحدثين والفقهاء في تسمية ما يجمع الشروط الثلاثة صحيحاً ثم إن ظهر شذوذ أو علة ردّه فشاذ، وهو استرواح حيث يحكم على الحديث بالصحة قبل الإمعان في الفحص عن تتبع طرقه التي يُعلم بها الشذوذ والعلّة نفياً وإثباتاً، فضلاً عن أحاديث الباب كله التي ربّما احتيج إليها في ذلك، وربّما تطرق إلى التصحيح متمسكاً بذلك من لا يحسن فالأحسن سد هذا الباب، وإن أشعر تعليل ابن الصلاح ظهور الحكم بصحة المتن من إطلاق الإمام المعتمد صحة الإسناد بجواز الحكم قبل التفتيش حيث قال: لأنَّ عدم العلّة والقادح هو الأصل الظاهر فتصريحه بالاشتراط يدفعه، مع أنَّ قصر الحكم على الإسناد وإن كان أخف لا يسلم من انتقاد… إلخ.

([3]) سيأتي تفصيل ذلك إن شاء الله تعالى في السؤال رقم (142).

للتواصل معنا