متى تشترط العدالة للراوي: هل في أثناء التحمل أو في الأداء؟
يشترط في راوي الحديث الصحيح أو الحسن أن يكون عدلاً سالماً عن أسباب الفسق وخوارم المروءة، لكن ذلك إنَّما يكون حال الأداء؛ لأنَّه قد يكون حال التحمل كافراً كتابياً أو وثنياً، مثل أبي سفيان حين كان بأرض الروم، وجاء كتاب النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم إلى هرقل عظيم الروم، فأرسل إليه هرقل، وسأله أسئلة يعرف بها صدق هذا النبي([1])، كان ذلك حال كفره، وحدث بها حال إسلامه، فقبلت، ولو أنَّ رجلاً كان مسلماً وسمع أشياء ثم ارتدَّ – والعياذ بالله – وحدّث بها لا تقبل منه، إنَّما يشترط العدالة في حال الأداء، لا في خال التحمل؛ لأنَّهم يقولون: إنَّ الرجل وإن كان كافراً فاجراً قبْل إسلامه، لكن دينه وأمانته وورعه، كل هذا يمنعه أن يكذب على رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وأن يحكي شيئاً ما رآه ولا سمعه، والأمر كذلك، والله أعلم([2]).
([1]) القصة في «صحيح البخاري»، «فتح الباري» (1/31 رقم 7).
([2]) ذكر الخطيب في «كفايته» (134): أنَّ مذهب مالك وابن أبي ذئب رد شهادة النصراني حتى يسلم وأن الشهادة لا تقبل منه ما دام كافراً حتى يسلم.
قال الخطيب وإذا كان هذا جائزاً في الشهادة فهو في الراوية أولى، لأنَّ الراوية أوسع في الحكم من الشهادة مع أنّه قد ثبتت روايات كثيرة لغير واحد من الصحابة كانوا حفظوها قبل إسلامهم، وأدوها بعده. اهـ.
أقول: ومن هذه الراويات ما أخرجه البخاري (2/247 رقم 765) عن جبير بن مطعم قال: «سمعت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قرأ في المغرب بالطور»، قال الحافظ ابن حجر في «الفتح» زاد الإسماعيلي: «وهو يومئذ مشرك» والمصنف في المغازي من طريق معمر أيضاً: «وذلك أول ما وقر الإيمان في قلبي».
قال الحافظ واستدل به على صحة أداء ما تحمله الراوي في حال الكفر، وكذا الفاسق إذا أداه في حاله العدالة. اهـ وقال ابن الملقن في «الإعلام بفوائد عمدة الأحكام» (3/202) وهذا النوع من الأحاديث قليل ولا خلاف فيه. اهـ.