أهل العدالة والضبط يقبل حديثهم، لكنَّه أحياناً يردّهُ العلماء، نريد توضيح هذا؟
الأصل أنَّ خبر العدل مقبول، إلا إذا قام الدليل على أنَّه قد وهم في خبره، فيرد، مثل الحديث الشاذ الذي راويه مقبول وخالف من هو أوثق منه، وكذلك في الحديث المضطرب الذي يختلف فيه الحفّاظ على أحد الرواة الثقات، بوجوه متكافئة، ويتعذر الجمع بينها، وأحياناً يردون حديث أحد الحفّاظ، ويقولون: ليس هذا من حديثه، بل هو حديث فلان، وإنَّما دخل عليه أثناء مذاكرة فلان له، فعلق في ذهنه، وظنه من حديثه، وليس كذلك، كما بيّن ذلك الحافظ ابن رجب – رحمه الله – في شرحه لـ «علل الترمذي»([1]).
وإذا أرسل أحد الحفاظ حديثاً، ولم يذكر اسم شيخه، فيخاف منه الأئمة، ويقولون: هو حافظ، ولو أراد أن يُسَمِّي لَسمَّى، فلماذا لا يُسَمِّي؟ إذاً فشيخه مجروح([2])، مع أنَّ في ذلك نظراً؛ لاحتمال أنَّه أرسل الحديث في مجلس وعظ أو في مناظرة واحتجاج على خصم له، أو غير ذلك من الأمور التي اعْتذِر بها على إرسال من أرسل من الثقات، والله أعلم([3]).
([1]) قال ابن رجب – رحمه الله – في «شرح العلل» (1/534-535): وقد أنكر مرة يحيى بن معين على عاصم حديثاً قال: ليس هو من حديثك، إنَّما ذوكرت به فوقع في قلبك فظننت أنّك سمعته، ولم تسمعه وليس هو من حديثك.
وقال الحسين بن الحسن المروزي: سمعت عبدالرحمن بن مهدي يقول: كنت عند أبي عوانة فحدّث بحديث عن الأعمش، فقلت: ليس هذا من حديثك، قال: بلى، قلت: لا، قال: يا سلامة! هات الدرج فأخرجت فنظرت فيه، فإذا ليس الحديث فيه، فقال: صدقت يا أبا سعيد، فمن أين أتيت؟ قلت: ذوكرت به وأنت شاب فظننت أنّك سمعته. اهـ.
([2]) قال الذهبي – رحمه الله تعالى – في «السير» (5/338-339): قال يحيى القطان: مرسل الزهري شر من مرسل غيره؛ لأنّه حافظ، وكل ما قدر أن يسمي سمى، وإنَّما ترك من لا يحب أن يسميه.
قلت – أي الذهبي -: مراسيل الزهري كالمعضل؛ لأنَّه يكون قد سقط منه اثنان ولا يسوغ أن نظن به أنَّه أسقط الصحابي فقط، ولو كان عنده عن صحابي لأ,ضحه ولما عجز عن وصله، ولو أنَّه يقول عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ومن عدّ مرسل الزهري كمرسل سعيد بن المسيب وعروة بن الزبير ونحوهما؛ فإنّه لم يدر ما يقول، نعم، مرسله كمرسل قتادة، ونحوه. اهـ.
([3]) انظر تفصيل ذلك في السؤال رقم (27).