الأسئلة الحديثية

ما حال محمد بن حميد الرازي شيخ الطبري؟

ما حال محمد بن حميد الرازي شيخ الطبري؟

محمد بن حميد الرازي اختلف فيه أهل العلم: فأصحاب بلده اتهموه وكذبوه، وهم أبو حاتم وأبو زرعة ومحمد بن مسلم بن وارة، تكلّموا فيه بجرح شديد، وغيرهم وثقوه، ومعلوم أنَّ هل بلد الرجل أعلم به، وأنا أميل إلى أنَّه مجروح جرحاً شديداً، ولا يستشهد بحديثه؛ لأنَّ بلدي الرجل أعلم به، وإن قيل: إنَّ أبا حاتم متشدد، فأبو زرعة معتدل، لكن إذا كان الراوي قد اختلف أهل بلده فيه، ووثقه أو ضعفه الغرباء، ففي هذه الحالة نرجع إلى قاعدة الجرح مقدم على التعديل إذا كان مفسراً، أما وأهل بلده يضعفونه ويتهمونه، ويقولون فيه هذه المقالات الشنيعة، ومع ذلك نأخذ كلام الغرباء؟! كلا، فلعله تزين للغرباء بأحاديث صحيحة، مما جعلهم يحسنون الظن به، أما أهل بلده الذين يعرفونه، وليس بينه وبينهم عداوة، فهم أعلم به، والله أعلم([1]).



([1]) محمد بن حميد بن حيان التميمي الحافظ أبو عبدالله الرازي.

قال أبو نعيم بن عدي: سمعت أبا حاتم الرازي في منزله وعنده ابن خراش وجماعة من مشايخ أهل الري وحفاظهم فذكروا ابن حميد فأجمعوا على أنّه ضعيف في الحديث جداً، وأنّه يحدث بما لم يسمعه، وأنّه يأخذ أحاديث أهل البصرة والكوفة فيحدث بها عن الرازيين، ونقل عمرو البرذعي عن أبي حاتم أنَّه قال فيه: هذا كذّاب لا يحسن أن يكذب.

وقال أبو القاسم ابن أخي أبي زرعة: سألت أبا زرعة عن محمد بن حميد فأومى بإصبعه إلى فمه، فقلت له: كان يكذب، فقال برأسه: نعم، فقلت له: كان قد شاخ لعله كان يعمل عليه ويدلس عليه، فقال: لا بني، كان يتعمّد، وقال ابن وارة: كذاب، وقال فضلك الرازي وهو الفضل بن عباس الرازي الإمام الحافظ صاحب «التصانيف»: عندي عن أبن حميد خمسون ألف لا أحدث عنه بحرف…

قلت: وهذا كلام الرازيين فيه وأمّا الغرباء فمنهم من ضعّفه، ومنهم من وثّقه فمن الذين ضعفوه الإمام البخاري رحمه الله تعالى فقد قال فيه: «في حديثه نظر»، وهذا اللفظ يدل على الغفلة الشديدة.

وقال النسائي: ليس بثقة، وقال الجوزجاني: رديء المذهب غير ثقة، وقال صالح بن محمد الأسدي: كان كلّما بلغه عن سفيان يحيله على مهران وما بلغه عن منصور يحيله على عمرو بن أبي قيس ثم قال: كل شيء كان يحدّثنا ابن حميد كنّا نتّهمه فيه، وقال في موضع آخر كانت أحاديثه تزيد وما رأيت أحدا أجرأ على الله منه كان يأخذ أحاديث الناس فيقلب بعضه على بعض، وقال: ما رأيت أحداً أ؛ذق بالكذب من رجلين سليمان الشاذكوني، ومحمد بن حميد كان يحفظ حديثه كله، وقال ابن خراش: ثنا ابن حميد، وكان والله يكذب، وروى غنجار في «تاريخه» أن أبا زرعة سئل عنه فقال: تركه محمد بن إسماعيل فلما بلغ ذلك البخاري، قال: بره لنا قديم، وقال البيهقي: كان إمام الأئمة يعني: ابن خزيمة لا يروي عنه، وقال النسائي: ابن حميد كذاب… إلخ ما قاله المجرحون.

أمّا عن أقوال من وثّقه:

فقد قال ابن خيثمة: سئل ابن معين فقال: ثقة لا بأس به رازي كيس، وجاء عنه أنَّ هذه الأحاديث التي يحدث بها ليس هو من قبله إنَّما هو من قبل الشيوخ الذين يحدث عنهم، وقال جعفر بن أبي عثمان الطيالسي: ابن حميد ثقة كتب عنه يحيى ويروى عنه…، وقال عبدالله بن أحمد عن أبيه: لا يزال بالري علم ما دام محمد بن حميد حياً، وقال الخليلي: كان حافظاً عالماً بهذا الشأن رضيه أحمد ويحيى.

أقول: ومن نظر في هذه الأقوال تبين له شدة ضعف ابن حميد، وذلك لوجوه:

أولاً: تكذيب أهل بلده له، وكما قال المؤلف حفظه الله تعالى أنَّ أهل بلد الرجل أعلم به من غيره.

الأمر الثاني: أنَّ هذا التجريح لم يكن كله بالتجريح المبهم، حتى يقال: التعديل يقدم على الجرح المبهم، بل جاء مفسراً في أكثر المواضع كما نقل عن أبي حاتم وأبي رزعة وغيرهم من الأئمة ولا شك أنَّ الجرح المفسر مقدم على التعديل.

الأمر الثالث: أنَّ قول المجرحين من أهل بلده ومن الغرباء لا يعارض بقول المعدلين وذلك لما تقدّم من أنَّ الجرح المفسّر مقدّم على التعديل، وأنَّ الذين جرحوه هم جمع غفير من الأئمة يفوق أضعاف عدد المعدّلين بكثير فترجح كفتهم على كفة من عدّله.

الأمر الرابع: أنَّ من نظر في كلام المعدلين ومنهم على سبيل المثال الإمام أحمد يجد كلامه ليس بصريح في التعديل بل يشعر أنَّ أحمد لم يعرفه المعرفة التامة التي تؤهله إلى الحكم عليه وقد صرّح بذلك ابن خزيمة رحمه الله تعالى فقد قال أبو علي النيسابوري: قلت لابن خزيمة: لو حدث الأستاذ عن محمد بن حميد فإن أحمد قد أحسن الثناء عليه فقال: إنّه لم يعرفه ولو عرفه كما عرفناه ما أثنى عليه أصلاً، وهذا صريح فيما أردناه والله المستعان، وأمّا عن توثيق ابن معين له، فقد شهر عن ابن معين رحمه الله تعالى توثيق بعض من لم يعتد بهم كابن حميد هذا، فقد ذكر ابن الجنيد أنّه سأل ابن معين عن محمد بن كثير القرشي الكوفي فقال: «ما كان به بأس» فحكى له عنه أحاديث نستنكر، فقال ابن معين: «فإن كان هذا الشيخ روى هذا فهو كذاب، وإلا فإنّي رأيت حديث الشيخ مستقيماً، قال المعلمي رحمه الله تعالى في «تنكيله» (ص:256): وكان ابن معين إذا لقي في رحلته شيخاً فسمع منه مجلساً، فرأى تلك الأحاديث مستقيمة ثم سئل عن الشيخ؟ وثقه وقد يتّفق أن يكون الشيخ دجالاً استقبل ابن معين بأحاديث صحيحة ويكون قد خلط قبل ذلك أو يخلط بعد ذلك اهـ.

قلت: وكلام ابن معين معتبر عندنا إلا في مثل هذه الحالة فإنّه يحتمل فيه ما نقلنا عن المعلمي رحمه الله تعالى -.

وخلاصة الأمر: ما قاله علامة القطر اليماني المعلمي رحمه الله تعالى -: أنَّ الراوي الذي يطعن فيه محدثو بلده طعناً شديداً لا يزيده ثناء الغرباء عليه إلا وهناً، لأنَّ ذلك يشعر بأنّه كان يتعمد التخليط فتزين لبعض الغرباء واستقبله بأحاديث مستقيمة فظن أنَّ ذلك شأنه مطلقاً فأثنى عليه وعرف أهل بلده حقيقة حاله.

قلت: وهذه حال ابن حميد هذا فكيف وقد عضد قولهم بقول غيرهم ممن ليس من محدثي بلدهم، والله أعلم.

وراجع ترجمة ابن حميد في المصادر الآتية: «الجرح والتعديل» (7/232) «الضعفاء» للعقيلي (4/رقم 733)، «الكامل» (6/2277-2278)، «المجروحين» لابن حبان (2/303-304)، «تاريخ بغداد» (2/256-294)، «تهذيب الكمال» (25/97-108)، «ميزان الاعتدال» (3/530)، «سير أعلام النبلاء» (11/503-506)، «تاريخ الإسلام» «وفيات سنة ثمان وأربعين ومائتين»، «تهذيب التهذيب» (9/127-131). اهـ.

للتواصل معنا