الأسئلة الحديثية

هل يجوز العمل بالحديث الضعيف؟

هل يجوز العمل بالحديث الضعيف؟

إن الله سبحانه وتعالى قد أمرنا أن نعبده بما شرع لنا، وبما أرسل به رسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، والأحاديث الضعيفة لا يُتَعبَّد بها.

فالعلم قال الله قال رسوله         إن صح والإجماع فاجتهد فيه

فالأحاديث الضعيفة لا سيما في هذا الزمان ضررها شديد؛ فإننا نرى كثيراً من الخطباء والوعاظ وأصحاب المنابر، يتكلمون بالأحاديث الضعيفة والمنكرة والباطلة، محتجين بأن بعض أهل العلم رخص في العمل بالأحاديث الضعيفة، في فضائل الأعمال، وفي الحقيقة مع أنَّ هذا القول غير راجح، إلا أنَّهم لم يلتزموا بالشروط التي ذكرها أهل هذا القول في رواية الأحاديث الضعيفة؛ فإنَّهم اشترطوا أن لا يكون الحديث ضعيفاً ضعفاً شديداً، واشترطوا أيضاً أن يكون له أصل، أو قاعدة كلية يندرج تحتها، وزاد الحافظ ابن حجر؛ أنَّه لا يُشْهرَ ذلك كي لا يُعْتَقَد أنَّه سُنة، كما في «تبيين العجب»، ولا يكون في العقيدة والأحكام، وأن يُعتقد عند العمل به ضعفه، وقد بين شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله المقصود باندراج هذا الضعيف تحت أصل عام، وذلك بأن يكون الحكم الذي تضمنه هذا الحديث الضعيف، بعينه ثابتاً من وجه آخر صحيح أو حسن، وانفرد الحديث الضعيف بذكر ثواب أو عقاب لهذا الفعل، فذكر هذا يُشَوِّق النفس للعمل أو يرهبها، وبيّن رحمه الله -، أنَّ الحديث الضعيف لا يثبت به حكم الاستحباب بمفرده؛ لأنَّه قول على الله بغير علم، ولا تثبت به عبادة بهيئة معينة وإن كان في فضائل الأعمال -، إلى آخر ما بينه رحمه الله من قيود لهذه القاعدة، انظر «الفتاوى» (18/65-66) ومقدمة «صحيح الترغيب والترهيب» و«تمام المنة» و«صحيح الجامع» لشيخنا الألباني رحمه الله تعالى ومتع به.

فبعض الناس يفهم خطأُ، كبعض الصوفية الذين يخترعون بعض الأذكار أو الأوراد، ويتعبدون الله سبحانه وتعالى بأذكار ما أذن الله بها، ولا أذن بها رسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وإذا نهيتهم قالوا: إنَّ هذا يندرج تحت آية عامة، فإن الله قد مدح الذاكرين الله كثيراً والذاكرات، والأمر ليس كذلك، فلا بد وأن يكون لهذا الأمر بعينه أصل في السنة، وإلا فمن الممكن أن أي إنسان يبتدع بدعة في الدين، ويدخلها تحت قاعدة عامة، فمثل هذه الاستحسانات المجردة عن الدليل، تجدها عند الخطباء الذين يدندنون بأحاديث لا أصل لها ولا خُطُم ولا أزِمّة، وهذا من شؤم الأحاديث الضعيفة، ومن شؤم هذه القاعدة التي أخذوا بها، وتركوا الأحاديث الصحيحة، وذهبوا إلى الأحاديث الضعيفة والقصص والمنكرات، وقصدهم في ذلك جمع العامة حولهم بالقصص والمنكرات، فأنا أنصح طالب العلم ألا يُشْغِل نفسه بحديث ضعيف، لكن لا يتسرع في الحكم عليه بأنَّه حديث ضعيف، فعليه أن يتثبت، ويرجع إلى الكتب والمراجع التي هي مظنّة هذا الحديث، فإذا تبين له أنَّ هذا الحديث ضعيف، فإنَّه ينبذه نبذ النواة، فلا يقبله ولا يعمل به، ويحذِّر من العمل به، ويبيَّنه للناس، ونجد بعض الناس يقول: أنا ذكرته عند العامة بصيغة التمريض، كقوله: «رُوي أو ذُكر أو قيل» والعامة مساكين لا يعرفون التمريض ولا الجزم، فهذا من التلبيس على الناس والتدليس والعياذ بالله -؛ لأن فاعل ذلك يقصد شيئاً، والناس يفهمون شيئاً آخر، فالواجب على طالب العلم من باب النصح لله ولرسوله وللمؤمنين أئمتهم وعامتهم: أن يبين أنَّ هذا حديث ضعيف، والعامة بل وكثير من الخاصة أصبحت هممهم قاصرة تُجاه الأحاديث الثابتة، وعندهم رغبة في الأحاديث الضعيفة، ويجتمع الجموع من الناس فيسمعون هذه القصص الساقطة، ويهزون رؤوسهم، بل ويبكون، وهذا كله من كيد الشيطان، والمشتغل بذلك ما معه شيء، وعلمه مثل السراب، يحسبه الظمآن ماءً، حتى إذا جاءه لم يجده شيئاً، فهو يظن أنَّ معه علماً كثيراً، ويغتر بالتفاف العامة حوله، فإذا به عند الحاجة إليه، وعند طلب الدليل منه على كيفية عبادته، أو على فتواه، فلا تجد معه إلا القصص والمرسلات والمقطوعات والحكايات التي لا يقوم لها أصل، ولا يُرفع بها رأس.

ووراء ذلك أمر آخر وهو: هل نحن انتهينا من العمل بالأحاديث الصحيحة؟! هل نحن استوعبنا الأحاديث الصحيحة، وعملنا بكل ما فيها، وأتقنّاها، وما بقي إلا أن نذكر الأحاديث الضعيفة في باب الفضائل وباب المناقب، وغير ذلك([1])؟! ومن أودية الأحاديث الضعيفة المغازي والسير، والمناقب والملاحم والفتن، كما قال الإمام أحمد([2]) رحمه الله -، ومسألة التفرقة بين الأحكام والفضائل: فيها نظر، فالأحكام المعروفة عند أهل الأصول خمسة: الواجب والحرام والمكروه والمستحب والمباح.

وما من حديث ضعيف، إلا وفيه حكم من هذه الأحكام، فأين الأحاديث التي لا تتصل بباب الأحكام؟ وإن كانوا يقصدون بباب الأحكام باب الصلاة والزكاة والبيوع والنكاح والطلاق ونحو ذلك، فيقال لهم: والأبواب الأخرى فيها أحكام أيضاً.

وقد دخل البلاء على أهل البدع بسبب العمل بالأحاديث الضعيفة، وتوسعهم في ذلك، فأنصح كل طالب علم أن يُقبل على العلم النافع، وأن يشمر عن ساعديه في حفظ الأحاديث الصحيحة، وفي البحث عنها، وفي القراءة فيها، فإنَّها كنوز في بطون هذه الكتب، وبعد ذلك إذا ملأ جَعْبَته من الأحاديث الصحيحة؛ فإنَّه إن شاء الله سينفر بطبعه وسجيَّته من الأحاديث الضعيفة، ولا يُقبل عليها، أقول ذلك وأدري: أنَّ من أهل العلم من رخص في رواية الضعيف بتلك الشروط، بل من كبار أهل العلم مثل الإمام أحمد رحمه الله تعالى وغيره من رخَّصوا في ذلك([3])، لكن كما قلت من قبل: إنَّ المسائل الخلافية، نُحَكِّم فيها القواعد، وننظر فيها إلى المصالح والمفاسد، وأيضاً فالذين يحتجون بهذه القاعدة ما وقفوا عند ضوابطها، مما أدى إلى فساد عظيم، والعلم عند الله تعالى.



([1]) قال الخطيب في «الكفاية» (ص:212): وبسنده إلى عبدالرحمن بن مهدي: لا ينبغي للرجل أن يشغل نفسه بكتابة أحاديث الضعفاء فإن أقل ما فيه أن يفوته بقدر ما يكتب من حديث أهل الضعف يفوته من حديث الثقات. اهـ.

قلت: وإذا كان هذا في الكتابة فمن باب أولى في الراوية، والله أعلم.

قال المؤلف: ولا يلزم من ذلك أن يكون كلام ابن مهدي منزلاً على أهل الضعف الخفيف. اهـ.

([2]) قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى في «لسان الميزان» (1/13): وقال الإمام أحمد ثلاثة كتب ليس لها أصول وهي: المغازي والتفسير والملاحم، قال الحافظ: قلت: ينبغي أن يضاف إليها الفضائل فهذا أودية الأحاديث الضعيفة، والموضوعة إذا كانت العمدة في المغازي على مثل الواقدي وفي التفسير على مثل مقاتل والكلبي، وفي «الملاحم» على الإسرائيليات، وأمَّا الفضائل فلا تحصى كم وضع الرافضة في فضل أهل البيت وعارضهم جهلة أهل السنة بفضائل معاوية وبفضائل الشيخين وقد أغناهما الله وأعلى مرتبتهما عنها. اهـ.

([3]) انظر «الكفاية» (ص:212-213).

للتواصل معنا