الأسئلة الحديثية

هل سكوت الحافظ ابن حجر – رحمه الله تعالى – على حديث في «الفتح» أو «التلخيص الحبير» يدل على صحة الحديث أو حسنه عنده؟

هل سكوت الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى على حديث في «الفتح» أو «التلخيص الحبير» يدل على صحة الحديث أو حسنه عنده؟

: أما من ناحية «الفتح» فقد صرح الحافظ رحمه الله في المقدمة بأنَّه سيشرح «الصحيح» ويذكر الزيادات التي أخرجها أصحاب كتب السنة، فالذي يتكلّم عليه فذاك حكمه، وما سكت عنه فهو شريطة الصحة أو الحسن، هكذا صرح الحافظ في بداية «هدي الساري»([1])، وهذا مقيد بما يذكره من تتمات إسنادية ومتنية لحديث الباب، وليس المقصود بذلك كل ما يورده من أحاديث يُستدل بها للمذاهب الفقهية وغيرها، لكن الحقيقة، أنَّه رحمه الله ما وَفَّى بذلك، وأكبر شاهد على ذلك ما بان لي في عملي في المجلد الأول من «الفتح»، فقد بان لي أحاديث كثيرة سكت عنها، وهي ضعيفة، بل أحاديث صرَّح بحسنها، وهي ضعيفة، وأحاديث صرح بأنَّها على شرط مسلم، مع هذا فهي شاذة، كما في زيادة التسمية عند دخول الخلاء في حديث أنس، فزيادة التسمية هنا ضعيفة شاذة، وقد جمعت طرقها وتكلَّمت عليها في تحقيقي للفتح «تحفة القاري بدراسة وتحقيق فتح الباري» وشيخنا الألباني رحمه الله حكم عليها أيضاً بالشذوذ، إلا أنَّ شيخنا الألباني رحمه الله اعتبر لها شاهداً من حديث آخر: «ستر ما بين عورة بني آدم وأعين الجن؛ إذا دخلوا الخلاء أن يقولوا: بسم الله» هذا ما قوي به الحديث السابق شيخنا الألباني رحمه الله في «إرواء الغليل» وفي «تمام المنة» لكن الحديث لا يرتقي للقوة، فبقيتُ على أنَّ البسملة في دخول الخلاء شاذة، فهذا دليل من الأدلة التي فيها تصريح الحافظ ابن حجر بالصحة أو الحسن، ولم يسلم له بذلك، وكثير الأحاديث التي سكت عنها لم يُسَلَّم له بذلك، وأمّا عن «التلخيص» فلم أقف على شرط له فيه، وفيه أحكام على أحاديث ورجال، ينازع فيها([2])، والله أعلم.



([1]) أقول: شرط الحافظ رحمه الله تعالى مقيد فيما كان زيادة في بعض طرق الحديث الذي أصله في الصحيح وليس المقصود بذلك كل ما يورده من أحاديث مستدلاً بها لأهل المذاهب الفقهية وغيرها.

ويظهر ذلك من شرطه رحمه الله تعالى مقيد فيما كان زيادة في بعض طرق الحديث الذي أصله في الصحيح وليس المقصود بذلك كل ما يورده من أحاديث مستدلاً بها لأهل المذاهب الفقهية وغيرها.

ويظهر ذلك من شرطه رحمه الله تعالى في «هدي الساري» (ص:4): «في قوله: فإذا تحررت هذه الفصول وتقررت هذه الأصول فتحت شرح الكتاب مستعيناً بالفتّاح الوهاب فأسوق إن شاء الله الباب وحديثه أولاً، ثم أذكر وجه المناسبة بينهما إن كانت خفية، ثم أستخرج ثانياً ما يتعلّق به غرض صحيح في ذلك الحديث من الفوائد المتنية والإسنادية من تتمات وزيادات وكشف غامض وتصريح مدلس بسماع ومتابعة سامع، من شيخ اختلط قبل ذلك: منتزعاً كل ذلك من أمَّهات المسانيد والجوامع والمستخرجات، والأجزاء والفوائد بشرط الصحة، أو الحسن. فيما أورده من ذلك… إلخ.

ومع التأمل يتَّضح أنَّ شرط الحافظ ابن حجر رحمه الله ليس في كل ما يورده في «الفتح»؛ إنّما هو خاص بالفوائد المتنية والإسنادية من تتمات وزيادات على أصل الحديث الذي في الصحيح وقد أخذت واستفدت هذه الفائدة في أثناء دراستي مع شيخنا الفاضل أبي الحسن حفظه الله تعالى وقال حفظه الله أيضاً في أثناء تدريسه لنا: ومع هذا التقييد لما فهمناه من قبل، أي: الإطلاق الوارد في جوابه على سؤال السائل، لم يوف الحافظ رحمه الله تعالى بشرط أيضاً ففي حديث: «من استجمر ليوتر»، قال وزاد أبو داود: «ومن لا فلا حرج» وهي زيادة حسنة الإسناد، مع أنّه رحمه الله قد ترجم لاثنين من رواته بالجهالة اهـ.

أقول: وكما نبّه الشيخ حفظه الله تعالى فقد ذكر الحافظ هذه الزيادة في «التلخيص الحبير» (1/113) قال ومداره على أبي سعد الحيراني الحمصي وفيه اختلاف وقيل: أنَّه صحابي ولا يصح.

قلت: وفي «التقريب» ترجم له بمجهول، قال الحافظ: والراوي عنه حصين الحيراني، وهو مجهول، وقال أبو زرعة: شيخ وذكره ابن حبان في «الثقات»، قلت: وكذلك حكم عليه كشيخه بالجهالة في «التقريب» والله أعلم. اهـ.

أقول: هذا وقد نقل المباركفوري رحمه الله في «تحفة الأحوذي» (2/90) كلام الحافظ السابق ثم قال فقوله: «بشرط الصحة أو الحسن فيما أورده من ذلك يدل على أنَّ حديث وائل وكذا حديث هلب الطائي عنده صحيح أو حسن فتفكر!.

أقول: ويفيد كلام المباركفوري بالتقييد السابق الذي ذكره شيخنا حفظه الله تعالى والله أعلم، وممن ذهب إلى ذلك أيضاً، التهانوي كما في «قواعد في علوم الحديث» (ص:89)، قال: ما ذكره الحافظ من الأحاديث الزائدة في «فتح الباري» وسكت عنه فهو صحيح أو حسن عنده كما صرّح به في «مقدمته» اهـ.

([2]) قال الشيخ الألباني رحمه الله تعالى في «رسالة مناسك الحج والعمرة» (ص:34): «… وقد قواه ابن القيم في «التهذيب» والحافظ ابن حجر في «التلخيص» بسكوته عليه… إلخ اهـ.

وقال التهانوي في «قواعد في علوم الحديث» (ص:89) وكذا سكوت الحافظ عن حديث في «التلخيص الحبير» دليل على صحته أو حسنه فإن الشوكاني رحمه الله ربّما يحتج بسكوته في «التلخيص» أيضاً كما يحتج بسكوته في «الفتح» يظهر ذلك بمراجعة «نيل الأوطار» وقد ذكر أبو غدة أمثلة على ذلك مجمل هذه الأمثلة أنَّ الشوكاني يورد الحديث ثم يقول سكت عليه الحافظ وليس في ذلك دلالة على ما ذهبا إليه والله أعلم.

للتواصل معنا