الأسئلة الحديثية

أحياناً نرى أئمة الجرح والتعديل يصفون الراوي بأنَّه حافظ، أو متقن، أو بصير بعلل الحديث، فهل يُقبل حديث هؤلاء، مع أنَّهم لم يصرحوا بعدالتهم في الدين؟

أحياناً نرى أئمة الجرح والتعديل يصفون الراوي بأنَّه حافظ، أو متقن، أو بصير بعلل الحديث، فهل يُقبل حديث هؤلاء، مع أنَّهم لم يصرحوا بعدالتهم في الدين؟

سبق أن ذكرتُ أنَّ الراوي إذا كان مشهوراً بالطلب، ولم يُتَكلَّم فيه بجرح، فهو محمول على الاستقامة في حديثه([1])، كما نصّ على ذلك جمع من العلماء كابن القطان والمزي والذهبي وابن حجر؛ لأنَّه لو كان مطعوناً عليه في دينه، لتكلّموا فيه بالجرح، ولصاحوا بعيبه، فكونه مشتغلاً بالحديث، فهذا يؤدي إلى إتقانه له واطلاعه على خباياه، ثم سكوت المجرِّحين عنه، والدواعي متوفرة لذكر الجرح لو كان موجوداً، إما غَيْرة على الدين، أو لاختلاف المذاهب والعقائد، فكونه مشهوراً بالرحلة وكثرة الحديث والمشايخ، وسَلِمَ مع ذلك من الجرح، فهذا يدل على عدالته في الحديث[2]، والحال هنا من باب أولى؛ لأنَّ المدح بالحفظ والإتقان ومعرفة العلل درجة أعلى من مجرد الشهرة بالطلب، والرجل لا يكون حافظاً بصيراً بالعلل إلا إذا طال اشتغاله بهذا الفن، وجمع فيه العالي والنازل، والمشهور والغريب، وعرف مخارج الأحاديث، وعرف الراوي وروايته، حتى يتهيأ للحُكْم على الحديث بالصحة أو الضعف، ولم ينبغِ في باب العلل إلا القليل النادر، فلو كان هذا البارع في هذا الشأن مجروح العدالة، لصاحوا به، والله أعلم.



([1]) سبق في السؤال رقم (52).

[2] قال السخاوي في «فتح المغيث» (1/322-328): ومما تثبت به العدالة أيضاً وهو الاستفاضة (إستغناء ذي الشهرة) ونباهة الذكر بالاستقامة والصدق، مع البصيرة، والفهم وهو الاستفاضة (عن تزكية) صريحة كـ (مالك) هو ابن أنس (نجم السنن)، كما وصفه به إمامنا الشافعي رحمهما الله وكشعبة، ووكيع، وأ؛مد، وابن معين ومن جرى مجراهم فهؤلاء وأمثالهم كما قال الخطيب وقد عقد باباً لذلك في كفايته فيمن لا يسأل عن عدالتهم وإنّما يسأل عن عدالة من كان في عداد المجهولين أو كلام خفي أمره على الطالبين…

قال: ومن هنا لما شهد أبو إبراهيم المزني صاحب الشافعي عند القاضي بكار بن قتيبة رحمهم الله وقيل له: إنّه أبو إبراهيم ولم يكن يعرفه قبلها فقال: تقام البينة عندي بذلك فقط.

وقال الذهبي رحمه الله -: إنّه حق ولا يدخل في ذلك المستور فإنّه غير مشهور بالعناية بالعلم فكل من اشتهر بين الحفّاظ بأنّه من أصحاب الحديث وأنّه معروف بالعناية بهذا الشأن، ثم كشفوا عن أخباره، فما وجدوا فيه تبيناً، ولا أتّفق لهم علم بأن أحداً وثّقه، فهذا الذي عناه الحافظ وأنّه يكون مقبول الحديث إلى أن يلوح فيه جرح… إلخ. اهـ.

وانظر ما سبق في السؤال رقم (52) والله أعلم.

للتواصل معنا