إذا وجدتُ في ترجمة راو، قول أحدهم: «تركه القطان» – مثلاً – هل يكون متروكاً؟
لا بد من النظر والتأمل في عدة أمور منها:
· هل هناك أقوال أخرى في الترجمة أم لا؟ فإن كان هناك كلام لغير القطان؛ جمعنا بين كلام هؤلاء الأئمة، وحكمنا على صاحب الترجمة بما يستحق، وإلا فالراجح أن يقال: تركه القطان أو متروك.
· وننظر إذا كان التارك متشدداً، ووثق الراوي غيره، قدمنا كلام من وثق – على تفاصيل في ذلك([1]) -.
· وننظر هل هناك لفظ صريح من القطان في الترك، أم أنَّ هذا فقط من فهم واجتهاد الناقل؟ لأنَّ الأول لا شك في أنَّه أصرح وأقوى – وإن كان الثاني مقبولاً عند عدم المعارض – ولأنَّه قد جُرِّب أن بعضهم يقول: «تركه فلان»، ويعني: أنَّه بطّل الكتابة عنه، إما لاختلاطه، أو لأنَّ التلميذ قد اكتفى بما عند الشيخ، وليس عند الشيخ ما يجعل التلميذ يرغب وينشط في الكتابة عنه، فتَركَ الكتابة عنه لذلك، وقد صرح بذلك الحافظ الذهبي في ترجمة عطاء بن أبي رباح في «الميزان» و«النبلاء»([2])، وكما في ترجمة ابن جوصاء في «تذكر الحفاظ»([3]) وترجمة إسحاق بن أبي إسرائيل في «النبلاء»([4]).
وقد يكون سبب الترك وجود من هو أشهر من هذا الراوي، أو أعلى إسناداً منه، أو لخلاف بينهما، كما حدث من امتناع مسلم من الراوية عن محمد بن يحيى الذهلي، وغير ذلك([5])، فكل هذا يدل على أنَّ الترك ليس منحصراً في اعتقاد التارك ضعف المتروك، فلا بد من النظر في القرائن، والتوسع في الترجمة، لكن إذا لم نجد شيئاً من ذلك، ولم يكن هناك من وثق الراوي، فهو إلى الترك أقرب منه إلى القبول، بل هو متروك، والله أعلم.
([1]) مرَّ ذلك معنا من كلام المؤلف – حفظه الله تعالى – في السؤال رقم (50) فليراجع والله أعلم.
([2]) جاء في «ميزان الاعتدال» ترجمة عطاء بن أبي رباح، قال علي بن المديني كان عطاء (بآخره) تركه ابن جريج وقيس بن سعد.
قال الذهبي: قلت: لم يعن الترك الاصطلاحي بل عني أنّهما بطلا الكتابة عنه وإلا فعطاء ثبت رضي» (3/70) وفي «النبلاء» قال الذهبي قلت: «لم يعن علي بقوله»، «تركه هذان» الترك العرفي ولكنّه كبر وضعفت حواسه، وكانا قد تكفيا منه وتفقَّها وأكثرا عنه فبَطَّلا، فهذا مراده بقوله: «تركاه» (5/87).
([3]) «تذكره الحفاظ» (3/797).
([4]) انظر «السير» (11/477).
([5]) ذكر نحوه الشيخ المعلمي – رحمه الله تعالى – في «تنكيله» (925) وانظر تفصيل القول في قولهم: «تركه فلان» في «الشفاء» للمؤلف (جـ1/330-331)، والفرق بينه وبين قولهم: «لم يرو عنه فلان» (1/484-485).