الأسئلة الحديثية

ما معنى قولهم: «فلان لا يُسأل عنه» و«فلان شيطان» و(فلان لص» و«فلان منكر»؟

 

ما معنى قولهم: «فلان لا يُسأل عنه» و«فلان شيطان» و(فلان لص» و«فلان منكر»؟

القول الأول: يطلق كثيراً في مدح الأئمة المشاهير الذين ثبتت عدالتهم في الراوية، فمثلهم([1]) لا يحتاج إلى سؤال عنهم، إلا أن هذا اللفظ أحياناً يُذْكر في أهل الفضل والتقوى والشرف والمروءة، دون النظر لأمر الرواية، وأحياناً يُذْكر في الجرح الشديد، بمعنى أنَّ الراوي قد شاع كذبه، فلا يحتاج إلى سؤال عنه، فأمره لا يخفى على العميات، أو على الصبيان الذين هم في بداية الطلب، فضلاً عن الأئمة النقاد، كما قال ابن معين في أبي مسعود الجرار واسمه عبدالأعلى([2])، وكما في «الجرح والتعديل» ترجمة عقيل الجعدي[3].

وأحياناً يكون بمعنى الجهالة بحال الراوي، كما في ترجمة أحمد بن محمد بن أيوب في «تاريخ بغداد»([4])، فالأصل في اللفظ المعنى الأول إلا لقرينة صارفة.

القول الثاني: الأصل فيه الجرح الشديد، ولذا فهم يطلقونه في الكذابين والزنادقة وأهل المقالات الخبيثة والعقائد الفاسدة([5])، لكن قد يطلقونه على أهل الرأي، انظر «الكامل» (7/2475)([6]) وقد يُطلق على سبيل المدح الرفيع بمعنى أنَّ الراوي حافظ عجيب، كما قال الثوري في القطان، انظر «النبلاء» ترجمة يحيى بن سعير القطان([7]).

والقول الثالث: يظهر منه أنَّه جرح شديد، بمعنى أنَّ الراوي يسرق الحديث، إلا أني قد رأيتهم يطلقونه في المدح الرفيع، كما في «الجرح والتعديل» ترجمة إسرائيل بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي.([8])

والقول الرابع: الظاهر منه الجرح، لكنّه يطلق أحياناً على الحفاظ الذين لهم شأن في الحفظ والتثبت، وعندهم يقظة وانتباه، ويكون بمعنى أنَّه لا مثيل له في ذلك.

انظر ترجمة خالد بن حيان الرقي في «تاريخ بغداد»([9])، والقاسم بن الفضل الحدّاني في «تهذيب التهذيب» والله أعلم([10]).



([1]) مثال ذلك ما رواه الخطيب بإسناده إلى حنبل بن إسحاق بن خيل، قال: سمعت أبا عبدالله وهو أحمد بن حنبل وسئل عن إسحاق بن راهويه، فقال: مثل إسحاق يسأل عنه؟ إسحاق عندنا إمام من أئمة المسلمين، «الكفاية» (ص:148)، وتاريخ «بغداد» (6/350)، وتاريخ «ابن عساكر» (8/129).

ولما سئل أبو حاتم عن يزيد بن هارون الواسطي قال: «ثقة إمام صدوق في الحديث لا يسأل عن مثله»، «الجرح والتعديل» (9/295).

([2]) سئل ابن معين عن أبي مسعود الجرار فقال: «كذّاب قد تخلى الله عنه أي: تبرأ لا يسأل عن مثل هذا، ليس بثقة اسمه عبدالأعلى الجرار»، «معرفة الرجال» لابن معين رواية أبي العباس بن محرز (1/57).

([3]) (6/219) وفيه قال ابن أبي حاتم: سمعت أبي يقول: هو منكر الحديث ذاهب ويشبه أن يكون أرابياً إذا روى عن الحسن البصري، قال: دخلت على سلمان الفارسي فلا يحتاج أن يسأل عنه. اهـ.

([4]) سئل عنه علي بن المديني وأحمد فلم يعرفاه، وقال: لا يسأل عنه فإن كان لا بأس به حمل عنه. (4/364).

([5]) وذلك كما قال ابن المبارك رحمه الله تعالى في جهم بن صفوان، قال الذهبي في «النبلاء»: قال العلاء بن الأسود: ذكر جهم عند ابن المبارك فقال:

عجبت لشيطان أتى الناس داعياً         إلى النار وانشق اسمه من جهنم

(8/411) وفي «تاريخ بغداد» ترجمة ميسر أبي سعد الصاغاني قال أبو زكريا: «قد رأيت أبا سعد الأعمى الصاغاني ابن أبي رواد ليس هو بشيء» وقال في موضع آخر: «كان مكفوفاً وكان جهمياً وليس هو بشيء، كان شيطاناً من الشياطين» (3/282).

([6]) قال ابن عدي: ثنا عبدالله بن عبدالحميد الواسطي، ثنا ابن أبي بردة: قال: سمعت المؤمل يقول: سمعت حماد بن سلمة يقول: كان أبو حنيفة شيطاناً استقبل آثار رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يردها برأيه. اهـ.

انظر «الكامل» لابن عدي (7/2475).

([7]) قال ابن مهدي: لما قدم الثوري البصرة قال: يا عبدالرحمن جئني بإنسان أذاكره فأتيته بيحيى بن سعيد فذاكره، فلما خرج قال: قلت لك: جئني بإنسان جئتني بشيطان، يعني بهره حفظه (9/177).

قلت: قد يأتي هذا اللفظ على سبيل المدح لحديث الراوي وذلك لحسنه وجودته كما جاء في «تهذيب التهذيب» ترجمة «أوس بن ضمعج» قال: شبابه حدّثنا شعبة وذكر عنده أوس بن ضمعج، فقال: والله ما أراه إلا كان شيطاناً، قال الحافظ ابن حجر رحمه الله يعني: لجودة حديثه. اهـ.

([8]) وفيه قال ابن مهدي: «كان إسرائيل في الحديث لصاً يتلقف العلم تلقفاً»، (2/230) وقوله: يتلقف العلم تلقفاً يدل على سرعة حفظه وفهمه لما يلقى عليه من المشايخ، وانظر تفصيل ذلك في «شفاء العليل» (1/372-375).

أقول: وقد يأتي هذا اللفظ على معناه الحقيقي، وهو أخذ ما يتملكه الغير بغير وجه حق، وقد ساق الخطيب في «الكفاية» سنده إلى أبي غسان يعني زنيجا قال: نا جرير، عن أبي فهر، قال: صليت خلف الزهري شهراً، وكان يقرأ في صلاة الفجر (تبرك الذي بيده الملك)، و(قل هو الله أحد (1»، فقلت لجرير: من أبو فهر هذا؟ فقال: لص بشنست يعني بعض قرى الري، فقيل له تروي عن اللصوص، قال: نعم، كان مع بعض السلاطين (153).

وبسنده أيضاً إلى أبي داود الطيالسي، قال: قال شعبة: لا تحملوا عن سفيان الثوري إلا عمن تعرفون، فإنَّه كان لا يبالي عمن حمل، إنّه يحدثكم عن مثل أبي شعيب المجنون فقال رجل لشعبة، ثنا سفيان الثوري عن رجل فسألت عنه في قبيلته، فإذا هو لص ينقب البيوت. اهـ والله أعلم المصدر السابق.

([9]) قال فيه علي بن ميمون: «كان منكراً، وكان صاحب حديث» قال الخطيب.

قلت: قوله: كان منكراً يعني: في الضبط والتحفظ وشدة التوقي والتحرز (8/296-297) وقد جاء في «لسان العرب»، «النكر والنكراء: الدهاء والفطنة ورجل نِكر، ونكرُ ونُكرٌ، ومنكر من قوم مناكير: ذاه فطن حكاه سيبوبه» (5/232).

([10]) «تهذيب التهذيب» (5/232) وارجع إلى «شفاء العليل» (1/382).

 

 

للتواصل معنا