الأسئلة الحديثية

إذا وثق أحد المحدثين شيخه، هل يقبل منه أم لا؟

إذا وثق أحد المحدثين شيخه، هل يقبل منه أم لا؟

يُنْظَر أوّلاً في منزلة هذا المحدِّث، هل هو من أهل المعرفة بهذا الشأن أم لا؟ فإن لم يكن نفسه مُوَثَّقاً، أو كان غير عارف بذلك، أو كان متساهلاً، فلا يقبل هذا منه على إطلاقه.([1])

لكن إذا كان عارفاً بهذا الشأن، كالإمام النسائي وأبي داود أو غيرهما: فنم أهل العلم من يقول: لعله جامله أو حاباه فوثقه، وقد يكون ثقة عنده، وليس كذلك عند غيره، والصواب أن ذلك يُقبل منه، ولو فُتح هذا الباب لقيل في أمور كثيرة: لعل… ولعل… ولعل…، ولكن طالما أنَّ هذا الراوي لم يوثقه إلا تلميذه، وهو أحد الأئمة، فالأصل أخذ كلام العدل، حتى يظهر من كلام العدول ما يدفعه([2])، نعم من المحتمل أن نقول: لعل… لعل…، إذا خالف هذا التلميذ غيره من الأئمة، كما تركنا كلام مالك في عبدالكريم بن أبي المخارق([3]) وتركنا اعتماد الشافعي على ابن أبي يحيى الأسلمي، لما رأينا الجرح فيهما مفسراً من كلام الأئمة([4])؛ ولولا ذلك لأخذنا باجتهاد من وثقهما؛ لأن إعمال خبر العدل أولى من إهماله، والتوسل بأن تلميذه يحتمل أنه قد جامله، قول بعيد، لأن العدالة تمنع من ذلك، والله أعلم.



([1]) وقد ذهب إلى ذلك الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى حيث قال في «نزهته» فإن سمي الراوي وانفرد راو واحد بالراوية فهو مجهول العين فلا يقبل حديثه، إلا أن يوثقه غير من ينفرد عنه على الأصح، وكذا من ينفرد عنه، إذا كان متأ÷لاً لذلك (ص: 135)، وشاهدنا من كلامه رحمه الله هو قوله: «وكذا من ينفرد عنه إذا كان متأهلاً لذلك ففيه قبول تعديل التلميذ لشيخه إذا كان أهلاً للكلام في الرواة» والله أعلم.

([2]) جاء في ترجمة إبراهيم بن هارون البلخي روى عنه الترمذي في «الشمائل»، والنسائي، ومحمد بن علي الحكيم الترمذي، قال النسائي: ثقة.د

قلت الحافظ ابن حجر -: وقال في موضع آخر: لا بأس به، «التهذيب» (1/176).

قلت: واعتمد الحافظ توثيق النسائي له وقد تفرد بهذا وهو من تلامذته، فقال في «التقريب»: صدوق.

([3]) قال الجوزجاني: عبدالكريم بن أبي المخارق أبو أمية غير ثقة، فرحم الله مالكاً، هناك في المثل فوقع على خزفة منكسرة أظنه اغتر بكسائه «أحوال الرجال» (ص97).

وقال ابن عبدالبر في مقدمة «التمهيد» (1/60): «وإنما روى مالك عن عبدالكريم بن أبي المخارق وهو مجتمع على ضعفه وتركه لأنه لم يعرفه، إذ لم يكن من أهل بلده وكان حسن السمت والصلاة، فغره ذلك، ولم يدخل في كتابه عنده حكماً أفرده به. اهـ.

([4]) إبراهيم بن محمد بن أبي يحيى اسمه سمعان الأسلمي مولاهم أبو إسحاق المدني، وخلاصة القول فيه كما قاله الحافظ في التقريب «متروك» وقال في التلخيص الحبير: وأكثر أهل الحديث على تضعيفه، لكن الشافعي كان يقول هو «صدوق» وإن كن مبتدعاً (1/33).

وقد اعتذر ابن حبان رحمه الله للشافعي فقال: وأمّا الشافعي فإنه كان يجالسه في حداثته، ويحفظ عنه حفظ الصبي والحفظ في الصغر كالنقش في الحجر. فلما دخل مصر في آخر عمره فأخذ يصنف الكتب المبسوطة احتاج إلى الأ×بار ولم تكن معه كتبه فأكثر ما أودع الكتب من حفظه فمن أجله ما روى عنه، وربما كنى عنه ولا يسميه في كتبه المجروحين لابن حبان (1/107) قلت: وفيه نظر فالشافعي رحمه الله أجل من ذلك ولكنه لم يظهر له كذبه فقد قال الربيع: سمعت الشافعي يقول: كان إبراهيم بن أبي يحيى قدرياً، قيل للربيع: فما حمل الشافعي على أن روى عنه؟ قال: كان يقول: لأن يخر إبراهيم من بُعد أحب إليه من أن يكذب، وكان ثقة في الحديث. اهـ من تهذيب التهذيب (1/159).