الأسئلة الحديثية

إذا قال المحدث: «حدثني الثقة»، هل يكون أعلى من رواية من اشترط أن لا يروي إلا عن ثقة؟

إذا قال المحدث: «حدثني الثقة»، هل يكون أعلى من رواية من اشترط أن لا يروي إلا عن ثقة؟

رجح الحافظ العراقي القول الأول، وبيّن سبب ذلك السخاوى رحمه الله تعالى بأنه في الصورة الثانية محتمل أنه ما التزم هذا إلا مؤخراً، ولم يتميز لنا من روى عنه من المشايخ قبل الشرط، ممن روى عنه من المشايخ بعد الشرط، ومحتمل أيضاً أن من اشترط هذا الشرط أن يذهل عن شرطه وينساه، فيروي عمن لا يرتضيهم([1]).

وقد يكون الثقة بالمعنى الواسع، فيدخل فيه غير المردود، ويضاف إلى ذلك أن بعض العلماء قد يسمع حديثاً عن ضعيف، والحديث شديد النكارة فيضطر إلى كتابة هذا الحديث للتحذير منه، مع أنه عن شيخ لا يرضاه، كما روى شعبة عن الجعفي، فكُلِّم في ذلك، فقال: روى أشياء لم نصبر عليها([2]) وهذا الأمر الثاني الوارد في السؤال على ما فيه؛ فهو أعلى من قول أبي داود مثلاً «مشايخ حريز بن عثمان كلهم ثقات»([3])؛ لأنه يرد عليه ما في الأمر الثاني، ثم يزاد على ذلك أن أبا داود قد لا يستحضر كل مشايخه عند إطلاق هذا القول، والله أعلم.([4])



([1]) قال السخاوي رحمه الله تعالى في «فتح المغيث» (1/311-312): إذا قال حدثني الثقة يحتمل أن يروى عن ضعيف يعني عند غيره إذا قال: (جميع أشياخي ثقات) علم أنه لا يروي إلا عن ثقة فهي أرفع بهذا الاعتبار وفيه نظر إذ احتمال الضعف عند غيره يطرقها، بل تمتالا الصورة الثانية باحتمال الذهول عن قاعدته أو كونه لم يسلك هذا إلا في آخر أمره كما روى عن ابن مهدي كان يتساهل أولاً في الرواية عن غير واحد بحيث كان يروي عن جابر الجعفي ثم تشدد… إلخ.

([2]) قال ابن حبان: ثنا أحمد بن منصور ثنا نعيم بن حماد قال: سمعت وكيعاً يقول: قلت لشعبة: ما لك تركت فلاناً وفلاناً ورويت عن جابر الجعفي؟ قال: روى أشياء لم نصبر عنها. المجروحين (1/209) وقد سبق بيان ضعف هذا الإسناد وعلته ضعف نعيم بن حماد الخزاعي والله أعلم -.

([3]) نقل ذلك الحافظ ابن حجر في تهذيبه (2/172) ترجمة «حبان بن زيد» الشرعبي، قال الحافظ: روى عنه حريز بن عثمان وذكره ابن حبان في الثقات، وقد تقدم أن أبا داود قال: شيوخ حريز كلهم ثقات. اهـ.

([4]) قلت: وقد نبه على ذلك العلامة المعلمي رحمه الله تعالى في تنكيله حيث قال: إن قول المحدث «شيوخي كلهم ثقات» أو شيوخ فلان كلهم ثقات فلا يلزم من هذا أن كل واحد منهم بحيث يستحق أن يقال له بمفرده على الإطلاق «هو ثقة» وإنما ذكروا الرجل في جملة من أ”لقوا عليهم ثقات فاللازم أنه ثقة في الجملة أي له حظ من الثقة وقد تقدم في القواعد أنهم ربما يتجوزون في كلمة «ثقة» فيطلقونها على من هو صالح في دينه وإن كان ضعيف الحديث أو نحو ذلك وهكذا قد يذكرون الرجل في جملة من أطلقوا أنهم ضعفاء، وإنما اللازم أن له حظاً ما من الضعف كما نجدهم يذكرون في كتب الضعفاء وكثيراً من الثقات الذين تكلم فيهم أيسر كلام اهـ (ص587).

للتواصل معنا