الأسئلة الحديثية

هل هناك فرق بين قول المحدث: «حدثني الثقة» وقوله: «حدثني من لا أتهم»؟

هل هناك فرق بين قول المحدث: «حدثني الثقة» وقوله: «حدثني من لا أتهم»؟

القول الأول أرفع؛ لأن نفي التهمة لا يلزم منه ثبوت الثقة،([1]) فكم من راوٍ ليس بمتهم، وفي نفس الوقت ليس بمنزلة من يقال فيه: «ثقة»، فقد يكون غير متهم، وهو ضعيف بل ومتروك، ولو فرضنا أنه محمول على عدم التهمة في الراوية، فلا شك أن التصريح بالتوثيق أعلى؛ لأن نفي النقص لا يلزم منه ثبوت الكمال، إلا إذا ظهرت قرينة تدل على خلاف هذا، والله أعلم.

تنبيه: قول المحدث: «حدثني الثقة» أو ما في معناه، لا يقبل منه، وإن كان إماماً، بل لا بد من التصريح باسمه ليُنْظَر: هل هو ثقة عنده وعند غيره، أم لا؟ فقد يكون ثقة عند القائل، ولو صرح باسمه لوجدنا فيه تجريحاً من غير القائل، فتوثيق المبهم لا يعتمد عليه([2])، وهل يصلح في الشواهد والمتابعات؟

صرح شيخنا أبو عبدالرحمن مقبل بن هادي رحمه  الله تعالى بجواز ذلك كما في «المقترح» عند جوابه على السؤال (82)، لكن في الأمر تفصيل، فقد صرح غير واحد بأن الشافعي قد يكني عن الأسلمي بقوله: «حدثني من لا أتهم، والأسلمي متروك وقيل: إنه يقصد غيره من الثقات([3])، فينظر في قائل ذلك، فإن كان مشهوراً بالرواية عن متروك أو متهم، ففي النفس شيء من الاستشهاد بحديث من هذا سبيله. والله تعالى أعلم.



([1]) صرح بذلك الإمام الذهبي رحمه الله تعالى في السير (8/450-451) ترجمة إبراهيم بن أبي يحيى، قال: قد كان الشافعي مع حسن رأيه فيه إذا روى عنه ربما دلسه يقول: أخبرني من لا أتهم، فتجد الشافعي لا يوثقه وإنما هو عنده ليس بمتهم بالكذب… اهـ.

([2]) قال الزركشي في «البحر المحيط» فلو قال: «لا أتهم» فلا يقبل في التعليم قاله الماوردي والروياني، وكذا قال أبوبكر الصيرفي في «كتاب الإعلام» إذا قال المحدث: حدثني الثقة عندي أو حدثنا من لا اتهمه. لا يكون حجة لأن الثقة عنده قد لا يكون ثقة عندي فأحتاج إلى علمه اهـ (4/293) وانظر الكفاية (ص154-155) ومقدمة ابن الصلاح (224) والباعث الحثيث (1/290) وإرشاد الفحول (ص67) وهناك قول ثان ذكره ابن الصباغ في العدة عن أبي حنيفة: «أن ذلك يكفي توثيقاً للراوي» قال السخاوي في فتح المغيث (1/37) وهو ماشي على قول من يحتج بالمرسل من أجل أن المرسل لو لم يحتج بالمحذوف لما حذفه فكأنه عدله بل هو في مسألتنا أولى بالقبول لتصريحه فيها بالتعديل، ولكن الصحيح الأول، لأنه لا يلزم من تعديله أن يكون عند غيره كذلك فلعله إذا سماه يعرف بخلافه وربما يكون قد انفرد بتوثيقه كما وقع للشافعي في إبراهيم بن إبي يحيى فقد قال النووي أنه لم يوثقه غيره وهو ضعيف باتفاق المحدثين بل إضراب المحدث عن تسميته ريبة توقع تردداً في القلب… اهـ.

وقال الذهبي رحمه الله تعالى في نبلائه (8/71-72) قال بشر بن عمر الزهراني: سألت مالكاً عن رجل فقال: هل رأيته في كتبي؟ قلت: لا. قال: لو كان ثقة لرأيته في كتبي.

قال الذهبي: فهذا القول يعطيك بأنه لا يروي إلا عمن هو عنده ثقة، ولا يلزم من ذلك أنه يروي عن كل الثقات ثم لا يلزم عما قال أن كل من روى عنه وهو عنده ثقة أن يكون عند باقي الحفاظ فقد يخفى عليه من حال شيخه ما يظهر لغيره إلا أنه بكل حال كثير التحري في نقد الرجال رحمه الله. اهـ.

قلت: وإليه ذهب الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى في «تخريج أحاديث المختصر المجلس الرابع بعد المئة. فليراجع.

([3]) مر ذلك معنا من كلام الحافظ الذهبي رحمه الله تعالى في «سيره» (8/450-451): وحكى الزركشي في «البحر المحيط» عن الربيع أنه قال: إذا قال الشافعي أخبرنا الثقة، يريد يحيى بن حسان، وإذا قال: من لا أتهم فإبراهيم بن أبي يحيى، وإذا قال بعض الناس يريد أهل العراق، وإذا قال: بعض أصحابنا يريد أهل الحجاز… اهـ.

انظر بقية الأقوال في المصدر المذكور (4/292-293) وكذا فتح المغيث (1/312-313) تدريب الراوي (1/313-314) وقد رجح السيكي عبارة «حدثني من لا أتهم» إذا صدرت من قبل الشافعي في مقام الاحتجاج على عبارة «حدثني الثقة» وإن كان لا تساويها من حيث الدلالة اللغوية «المصدر السابق».