الأسئلة الحديثية

ما هو القول الراجح في معلقات «الصحيح»، هل يحتج بها أم لا؟

ما هو القول الراجح في معلقات «الصحيح»، هل يحتج بها أم لا؟

فرَّق جمع من العلماء بين ما كان بصيغة الجزم، وما كان بصيغة التمريض([1])، فقالوا: يُحتج بما أخرجه صاحب «الصحيح» معلقاً بصيغة الجزم([2])، ويُستأنس بما أخرجه معلقاً بصيغة التمريض، وعندي أنه ليس كل ما كان بصيغة الجزم يحتج به، وليس كل ما كان بصيغة التمريض فلا يحتج به، فمن الوارد بصيغة الجزم وهو مما لا يحتج به: ما جاء في كتاب العلم من «صحيح البخاري» وهو قول أبي ذر: لو وضعتم الصمصامة على هذه يعني: رقبته… إلخ الأثر، فقد أورده بصيغة الجزم، مع أنه لا يحتج به، وقد بينت ذلك في تحقيقي لـ «الفتح» والمسمى بـ «تحفة القاري بدراسة وتحقيق فتح الباري» أسأل الله أن ييسر إتمامه والنفع به في الدارين([3])، وقد بيّن الحافظ في مقدمة «تغليق التعليق» الحالات التي وردت بها المعلقات بصيغة التمريض، وبيّن أن فيها ما يحتج به، وما ليس كذلك وذكر في «الفتح» (2/205) كلاماً عاماً، وليس المقصود به معلقات «الصحيح» فقال: إن صيغة التمريض قد تستخدم في الصحيح بخلاف صيغة الجزم، فهي مختصة به لا تستخدم في غيره، واعترض بعض أهل العلم على من قبل المعلمات التي بصيغة الجزم، واحتج بأن أهل العلم لا يحتجون بتوثيق المبهم، فمن قال: «حدثني الثقة»، لم يُقبل منه حتى يصرح باسمه ليعرف: هل هو ثقة حقاً، أم فيه جرح من غير هذا الموثق؟ قال: وغاية جزم البخاري في المعلق أن يكون كتوثيق المبهم، فلا يُقبل([4])، والأمر الذي تطمئن إليه النفس: أنه لا بد من البحث والتفتيش عن السند، ويُحكم عليه بما يستحق، نعم، ما كان بصيغة الجزم فالثابت منه أكثر مما كان بصيغة التمريض. المؤلف. والله تعالى أعلم.



([1]) قال الشيخ أحمد شاكر رحمه الله تعالى في «الباعث الحثيث» (1/122) صيغة الجزم: قال، روى، جاءَ، عن، وصيغة التمريض نحو قيل، ورُوي عن، ويُذكر ونحوها.

([2]) أي: وينظر فيمن أبرزه من السند. اهـ المؤلف.

([3]) علق البخاري إسناده إلى أبي ذر أنه قال: لو وضعتم الصمصامة على هذه وأشار إلى قفاه ثم ظننت أني أنفِذُ. اهـ بصيغة الجزم. من «فتح الباري» (1/160) باب رقم (10) قال شيخنا حفظه الله في تحقيقه الفتح المسمى «تحفة القاري» فيه مرثد بن عبدالله الزماني روى عنه ابنه مالك وذكره ابن حبان في الثقات ووثقه العجلي وقال العقيلي: لا يتابع على حديثه… وقد ترجم له الحافظ بقوله «مقبول». فالأثر لين والله أعلم.

([4]) أقول: ويلزم من احتج بالمعلق دون بحث وتفتيش عن رجال الإسناد والحكم عليه بما يستحق أن يحتج بالمرسل كذلك وبهذا استدل المناوي رحمه الله تعالى حيث قال في «اليواقيت والدرر» ويقال على التعليل أنه يلزم منه صحة الحديث، أي المعلق بصيغة الجزم المرسل عند من أرسله فإن ابن المسيب لا يستجيز أن يجزم بأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال كذا إلا وقد صح عنه، وتصحيح سعيد مثلاً أولى من تصحيح البخاري بأنه عارف حال من روى عنه بطريق الخبر والبخاري بطريق الخُبر، وما كان عن اجتهادنا فاجتهاد ابن المسيب أولى بالاتباع من اجتهاد البخاري وظن أن البخاري ينفرد عن أحوال الرجال دون من تقدم حيث كانوا يأخذون كل ضرب ظن فاسد مخالف لصريح النقل عنه، روى البيهقي في المعرفة عن الإمام الشافعي رضي الله عنه عن يحيى بن سعيد قال: سألت ابناً لعبدالله بن عمر عن مسألة فلم يقل فيها شيئاً فقيل له، إنا نعظم أن يكون مثلك يسأل عن أمر ليس عنده فيه علم فقال: أعظم والله من ذلك عند الله وعند من عرف الله وعند من عقل أن أقول ما ليس لي به علم أو أخبر عن غير ثقة… وقال الإمام الشافعي رضي الله عنه: «كان ابن مسعود وغير واحد من التابعين يذهب هذا المذهب في أن لا تقبل إلا ممن عرف» قال: وما لقيت ولا علمت أحداً من أهل العلم بالحديث مخالف هذا المذهب. وروى ابن أبي خيثمة في التاريخ عن موسى بن إسماعيل ثنا حماد وقال: «قال ابن زيد ربّما حدث الحسن الحديث فأقول: يا أبا سعيد ممن سمعت هذا؟ فيقول: أخذته عن ثقة» فتبين أن المرسل إنما يرسل ما ثبت عنده كما أن البخاري إنما يجزم في تعليقه بما ثبت عنده، وإن تقليد التابعين العارفين بأحوال من أخذوا عنه بالخبر أولى. اهـ «اليواقيت والدرر شرح نخبة الفكر» (1/339-340).

وأما عن «صيغة التمريض» فقد قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى في الفتح (1/111) كتاب الإيمان ذكر لي شيخنا أبو الفضل بن الحسين الحافظ أي العراقي رحمه الله قاعدة وهي: إن البخاري لا يخص صيغة التمريض بضعف الإسناد، بل إذا ذكر المتن بالمعنى أو اختصره أتى بها أيضاً، لما علم من الخلاف في ذلك. اهـ.

للتواصل معنا