الأسئلة الحديثية

إذا اختلف تلامذة ابن معين – مثلاً – عنه في أحد الرواة، فبعضهم نقل توثيقه، وبعضهم نقل تضعيفه، فبكلام من نأخذ؟

إذا اختلف تلامذة ابن معين مثلاً عنه في أحد الرواة، فبعضهم نقل توثيقه، وبعضهم نقل تضعيفه، فبكلام من نأخذ؟

في مثل هذا، وقبل الترجيح بين تلامذة ابن معين، ننظر: لماذا اختلف قول ابن معين في الراوي؟ فلربما أننا لو دققنا النظر؛ لعلمنا أنه لم يختلف ابن معين في هذا الرجل، فقد سبق أن ذكرت كلام الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى بأن صيغة السؤال لها أثر في جواب المسئول، فقد يُسأل عنه مقروناً بغيره من مشاهير الثقات، فيضعفه([1])، أي: بالنسبة لنم قُرِن معه، وقد يُسأل عنه مقروناً بأحد الضعفاء، فيوثقه، أي: بالنسبة لنم قُرن معه، ولو سئل عنه منفرداً عنه منفرداً، فقد يعدِّله تعديلاً متوسطاً، كما أنه قد يُسأل عنه في حديث وهم فيه، فيضعفه، وقد يُسأل عنه في حديث حفظه مع جمع آخرين فيقول: هؤلاء جماعة ثقات حفاظ، كما قال ذلك الدارقطني رحمه الله في كتابه «العلل»، انظر السؤالين برقم (1، 47) وقد نبه على ذلك الشيخ المعلِّمي رحمه الله تعالى([2]) فإذا نظرنا في هذه الأمور وما شابهها، فلعلنا نستطيع أن نجمع بين قولي أو أقوال ابن معين، ولا نحتاج إلى الترجيح بين تلامذته([3])، وإن علمنا أن ابن معين قد تغير اجتهاده في الراوي، أخذنا بالقول المتأخر، لكن لو فرضنا أن جميع وجوه الترجيح قد تعذرت، فقد صرح بعضهم بأننا نأخذ بكلام التلامذة البغداديين؛ لأنهم لازموه، وهم به أعرف، وهذا وإن كان له وجه، إلا أنه لا يطّرِد، والعبرة بالقرائن، والله تعالى أعلم.([4])



([1]) الكلام على هذه المسألة في السؤال رقم «49» فليراجع.

([2]) قال المعيمي رحمه الله تعالى -: إن قول المحدث «رواه جماعة ثقات حفاظ» ثم يعدهم لا يقتضي أن يكون كل من ذكره بحيث لو سئل عنه ذاك المحدث وحده لقال «ثقة حافظ» هذا ابن حبان قصد أن يجمع الثقات في كتابه ثم قد يذكر فيهم من يلينه هو نفسه في الكتاب نفسه وهذا الدارقطني نفسه ذكر في السنن (ص35) حديثاً فيه مسح الرأس ثلاثاً وهو موافق لقول أصحاب الشافعية ثم قال: «خالفهُ جماعة من الحفاظ الثقات…» فعدهم وذكر فيهم شريكاً القاضي وأبا الأشهب جعفر بن الحارث والحجاج بن أرطاة وجعفر الأحمر مع أنه قال في ص(132) وشريك ليس بالقوي فيما ينفرد به، وجعفر بن الحارث لم أرَ له كلاماً فيه ولكن تكلم فيه غيره من الأئمة كابن معين والنسائي، وحجاج بن أرطاة. قال الدارقطني نفسه في مواضع من «السنن»: «لا يحتج به» وفي بعض المواضع «ضعيف» وجعفر الأحمر اختلفوا فيه وقال الدارقطني كما في التهذيب «يعتبر به» وهذا تليين كما لا يخفى التنكيل (586-587) وقد فصل الكلام رحمه الله تعالى في ص(254-255) فليراجع.

([3]) أقول: وقبل: الجمع بين القولين ننظر في نسبة القولين إلى الإمام إن أمكن ذلك فأيهما صحت نسبته إليه قدم. مثال ذلك ما جاء في «الميزان» (1/200) ترجمة إبراهيم بن هدبة. قال الذهبي ولا يفرح عاقل بما جاء بإسناد مظلم عن يحيى بن بدر قال. قال يحيى بن معين: أبو هدبة لا بأس به ثقة. فهذا القول باطل، فقد قال إبراهيم بن عبدالله بن الجنيد: سمعتُ يحيى بن معين، وسئل عن أبي هدبة فقال: قدم علينا هاهنا، وكتبنا عنه عن أنس ثم تبيَّن لنا أنه كذاب خبيث.

([4]) قلت: من القرائن على سبيل المثال:

1 تقديم رواية التلميذ الملازم للشيخ كتقديم رواية عباس الدوري عن ابن معين لطول ملازمته له.

2 كثرة الناقلين لأحد قولي الإمام، فتقدم رواية الأكثر والأحفظ.

3 كون أحد القولين موافقاً لقول الأئمة، فيقدم القول الموافق. والله أعلم.

ولا يلزم من ذلك اضطراد هذه القرائن في كل موضع

للتواصل معنا