الأسئلة الحديثية

هل هناك فرق بين مجرد ذكر ابن حبان للراوي في كتابه: «الثقات»، وبين ذكره له في نفس الكتاب، مع مدحه بالإتقان والضبط واستقامة الحديث، وغير ذلك، أم لا؟ وما هي منزلة توثيق ابن حبان بين الأئمة؟

هل هناك فرق بين مجرد ذكر ابن حبان للراوي في كتابه: «الثقات»، وبين ذكره له في نفس الكتاب، مع مدحه بالإتقان والضبط واستقامة الحديث، وغير ذلك، أم لا؟ وما هي منزلة توثيق ابن حبان بين الأئمة؟

الإجابة عن ذلك فرع عن استقراء كتاب «الثقات» لأبي حاتم بن حبان البُسْتي يرحمه الله -، وقد يسّر الله عزّ وجلّ -، ليّ استقراء الكتاب، ووقفت فيه على فوائد جمة، محلها إن شاء الله تعالى في كتابي: «شفاء العليل بألفاظ وقواعد الجرح والتعديل» في قسم القواعد.

لكن يهمني هنا أن أقول: إن توثيق ابن حبان للرواة في كتابه «الثقات»، ليس على درجة واحدة، فمنه المعتمد، ومنه غير المعتمد.

وبيان هذا يحتاج أن أتكلم على شرط ابن حبان يرحمه الله -، الذي ذكره في بيان الثقة عنده، فقد قال يرحمه الله في مقدمة كتابه: «الثقات» (1/11-13):

ولا أذكر في هذا الكتاب الأول يعني «الثقات» -، إلا الثقات الذين يجوز الاحتجاج بخبرهم، … فكل من أذكره في هذا الكتاب الأول أي «الثقات» فهو صدوق، يجوز الاحتجاج بخبره، إذا تعرى خبره عن خصالٍ خمس، فإذا وجد خبر منكر عن واحد ممن أذكره في كتابي هذا؛

فإن ذلك الخبر لا ينفك من إحدى خمس خصال:

إما أن يكون فوق الشيخ الذي ذكرتُ اسمَه في كتابي هذا في الإسناد رجل ضعيف لا يُحتج بخبره، أو يكون دونه رجل واهٍ، لا يجوز الاحتجاج بروايته، أو الخبر: يكون مرسلاً، لا يلزمنا به الحجة، أو يكون منقطعا، لا يقوم بمثله الحجة، أو يكون في الإسناد رجل مدلس، لم يبين سماعه في الخبر مِنَ الذي سمعه منهُ؛ فإن المدلس ما لم يبين سماع خبره عمن كتب عنه؛ لا يجوز الاحتجاج بذلك الخبر؛ لأنه لا يُدْرَى: لعله سمعه من إنسان ضعيف، يبطل الخبر بذكره إذا وقف عليه، وعُرف الخبر به، فما لم يَقُلْ المدلس في خبره وإن كان ثقة -: سمعت، أو حدثني، فلا يجوز الاحتجاج بخبره،…

وإنّما أذكر في هذا الكتاب الشيخ بعد الشيخ، وقد ضعفه بعض أئمتنا، ووثقه بعضهم، فمن صح عندي منهم أنه ثقة بالدلائل النيرة التي بينتها في كتاب «الفصل بين النقلة»؛ أدخلته في هذا الكتاب؛ لأنه يجوز الاحتجاج بخبره، ومن صح عندي منهم أنّه ضعيف بالبراهين الواضحة التي ذكرتها في كتاب «الفصل بين النقلة»؛ لم أذكره في هذا الكتاب، لكني أدخلته في كتاب: «الضعفاء بالعلل»؛ لأنَّه لا يجوز الاحتجاج بخبره؛ فكل من ذكرته في كتابي هذا إذا تعرى خبره عن الخصال الخمس التي ذكرتها؛ فهو عدل يجوز الاحتجاج بخبره؛ لأن العدل من لم يُعرف منه الجرح؛ إذ الجرح ضد التعديل، فمن لم يُعلم بجرح؛ فهو عدل، إذ لم يبين ضده، إذ لم يُكلف الناس من الناس معرفة ما غاب عنهم، وإنّما كلفوا الحكم بالظاهر من الأشياء غير المغيب عنهم…، اهـ. وكذا ذكر نحوه في (5/595).

وقد ذكر هذا الحافظ في «لسان الميزان» (1/14) ملخصاً عن الحافظ شمس الدين بن عبدالهادي في «الصارم المنكي» مع شيء من التصرف الذي غيّر فيه بعض شروط ابن حبان.

وقال في «المجروحين» (1/8): وأقل ما يثبت به خبر الخاصة حتى تقوم به الحجة على أهل العلم؛ هو خبر الواحد الثقة في دينه، المعروف بالصدق في حديثه، العاقل بما يحدِّث به، العالم بما يحيل معاني الحديث من اللفظ، المتعرى عن التدليس في سماع ما يروى عن الواحد مثله في الأحوال بالسنن وصفتها، حتى ينتهي ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم سماعاً متصلاً، اهـ.

وفي مقدمة «صحيح ابن حبان» (1/151-152) قال: وأمّا شرطنا في نقله ما أودعناه كتابنا هذامنالسنن؛ فإنّا لم نحتجَّ فيه إلا بحديث اجتمع في كل شيخ من رواته خمسة أشياء:

الأول: العدالة في الدين بالستر الجميل.

والثاني: الصدق في الحديث بالشهرة فيه.

والثالث: العقل بما يحدَّث من الحديث.

والرابع: العلم بما يُحيل من معاني ما يروى.

والخامس: المتعرِّي خبره عن التدليس.

قال: فكل من اجتمع فيه هذه الخصال الخمس، احتججنا بحديثه، وبّنّيْنا الكتاب على روايته، وكل من تعرَّى عن خصلة من هذه الخصال الخمس، لم نحتجَّ به.

قال: والعدالة في الإنسان: هو أن يكون أكثر أحواله طاعة الله، لأنّا متى ما لم نجعل العدل إلا من لم يوجد منه معصية بحال؛ أدّانا ذلك إلى أنْ ليس في الدنيا عدل، إذ الناس لا تخلو أحوالهم من ورود خلل الشيطان فيها.

بل العدل: من كان ظاهر أحواله طاعة الله، والذي يخالف العدل: من كان أكثر أحواله معصية الله، وقد يكون العدل الذي يشهد له جيرانه وعدولً بلده به، وهو غير صادق فيما يروي من الحديث؛ لأن هذا شيء ليس يعرفه إلا مَنْ صناعته الحديث، وليس كلُّ معدَّل يَعْرِف صناعة الحديث، حتى يعدِّل العدل على الحقيقة في الرواية والدين معاً.

قال: والعقل بما يحدث من الحديث: هو أن يعقل من اللغة بمقدار ما لا يُزيل معاني الأخبار عن سَننها، ويعقل من صناعة الحديث ما لا يُسند موقوفاً، أو يرفع مرسلاً، أو يصحِّف اسماً.

قال: والعلم بما يُحيل من معاني ما يروى: هو أن يعلم من الفقه بمقدار ما إذا أدى خبراً، أو رواه من حفظه، أو اختصره، لم يُحِلْه عن معناه الذي أطلقهُ رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم إلى معنى آخر.

قال: والمتعرى خبره عن التدليس: هو أن كون الخبر عن مثل مَنْ وصفناه نعته بهذه الخصال الخمس، فيرويه عن مثله سماعاً، حتى ينتهي ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، اهـ، من «الإحسان في تقريب صحيح ابن حبان».

وقد تكلم الحافظ في «النكت» (1/290-291) على شرط ابن حبان في راوي الصحيح، فقال: وقد صرح ابن حبان بشرطه، وحاصله: أن يكون راوي الحديث عدلاً مشهوراً بالطلب، غير مدلس، سمع ممن فوقه، إلى أن ينتهي، فإن كان ما يروى من حفظه؛ فليكن عالماً بما يحيل المعاني.

قال الحافظ: فلم يشترط على الاتصال والعدالة، ما اشترطه المؤلف يعني: ابن الصلاح في الصحيح؛ من وجود الضبط، ومن عدم الشذوذ والعلة، وهذا وإن لم يتعرض ابن حبان لاشتراكه؛ فهو إن وجده كذلك أخرجه وإلا فهو ماشٍ على ما أصّل؛ لأنَّ وجود هذه الشروط لا ينافي ما اشترطه.

وسمّى ابن خزيمة كتابه: «المسند الصحيح المتصل بنقل العدل عن العدل من غير قطع في السند ولا جرح في النقلة» وهذا الشرط مثل شرط ابن حبان سواء؛ لأن ابن حبان تابع لابن خزيمة، مغترف من بحره، ناسج على منواله.

قال: ومما يعضد ما ذكرنا: احتجاج ابن خزيمة وابن حبان بأحاديث أهل الطبقة الثانية؛ الذين يخرج مسلم أحاديثهم في المتابعات: كابن إسحاق، وأسامة بن زيد الليثي، ومحمد بن عجلان، ومحمد بن عمرو بن علقمة، وغير هؤلاء، اهـ.

مناقشة ما سبق من كلام ابن حبان يرحمه الله -:

1- من تأمل شروط ابن حبان فيمن يحتج بخبره كما في كتابه «الثقات» (1/1113) بدا له وكأن ابن حبان لا يرى أن الثقة قد يروي ما يُنكر عليه؛ لأنَّه ذكر: أنّنا إذا رأينا خبراً منكراً؛ فلا ينفك من إحدى خمس خصال، فذكرها، ولم يذكر احتمال خطأ الثقة الذي أدخله في كتابه، مع أن ابن حبان قد صرح في غير موضع أن الثقة قد يخطئ، وأنَّه لا يتوقف في كل حديث الثقة من أجل أخطائه التي لا ينفك عنها البشر.

كما في معقل بن عبيدالله الجزري، قال: وكان يخطئ، لم يفحش خطؤه، فيستحق الترك، وإنما كان ذلك منهُ على حسب ما لا ينفك منهُ البشر، ولو تُرك حديث من أخطأ، من غير أن يفحش ذلك منه، لوجب ترك حديث كل محدث في الدنيا، لأنهم كانوا يخطئون، ولم يكونوا بمعصومين، بل يحتج بخبر من يخطئ، ما لم يفحش ذلك منه، فإذا فحش، حتى غلب على صوابه تُرِك ذلك الحديث بعينه، واحْتُجَّ بما سواه، هذا حكم المحدثين الذين كانوا يخطئون، ولم يفحش ذلك منهم، اهـ. (7/492) وقد ذكر نحو ذلك في مواضع كثيرة من كتابه، انظر (6/279، 379)، (7/98، 669، 670)، (8/484) وقد مَثَّل بحماد بن سلمة في ترك ما أخطأ فيه فقط، وقبول باقي ما رواه كما في «الإحسان» (1/153-154).

وظاهرمن كلام ابن حبان؛ أن الحد الفاصل بين فحش الخطأ وقلته، أنَّه إذا غلب خطؤه على صوابه كان متروكاً، وإلا لم يُعْدَل به عن سبيل العدول، هكذا صرّح ابن حبان يرحمه الله -، لكن لا يُسلَّم له ذلك، فلا يشترط في ترك رواية الراوي أنه يخطئ في أكثر من نصف رواياته، وأنه إذا كانت أخطاؤه دون النصف فهو عدل؛ لأن الأئمة ربما تكلموا بشدة في الراوي إذا روى حديثاً فاحش الخطأ، وقد قال شعبة في عبدالملك بن سليمان العرزمي لما روى حديث الشفعة -: لو جاء عبدالملك بآخر مثله، لرميت بحديثه، اهـ، من «تهذيب التهذيب» (6/397).

فالخطأ اليسير الذي هو تقديم اسم الأب على اسم الابن، ونحو ذلك، يقع للكبار فضلاً عن غيرهم أما من يروي حديثاً عن أنس عن شريك عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فمثل هذا لا يكون إلا مغفلاً أو كذاباً، والعلماء ينظرون في عدد الخطأ ونوعه: هل هو فاحش أم محتمل؟ مع النظر في كثرة حديث الراوي وقلته، فرُبَّ رجل يخطئ في حديث واحد، فيكون متروكاً، لأنّه ليس له غيره، وربّ رجل يخطئ في عشرة أحاديث؛ وهو مع ذلك إمام من الأئمة، لانغمار ذلك في سعة ما روى، فليس نظر النقاد منصرفاً إلى مجرد العدد فقط، وهل زاد على النصف أم لا؟ بل ينظرون أيضاً إلى قرائن أخرى، والله أعلم.

2- ذكر ابن حبان أن العدل من لم يُعرف منه الجرح، إذ الجرح ضد التعديل، والمعلوم عن كثير من الأئمة أن العدالة لا تثبت إلا بالتزكية، سواء كان ذلك باستفاضة العدالة، أو تزكية إمام من أئمة الجرح والتعديل، وسواء كانت التزكية من معاصر، أو من متأخر، بعد النظر في حديث الراوي، أو بعد النظر في أصوله كما في «الكفاية» (ص: 141-144).

ويقوي ما ذهب إليه ابن حبان ما قاله ابن الصلاح في «علوم الحديث» (ص:53) في النوع الثالث والعشرين، المسألة الثامنة، القسم الثاني، فذكر الكلام على المجهول والمستور.

وذكر عن البعض: أن المستور من عُلمت عدالته الظاهرة دون الباطنة، وأن بعضهم احتج به.

ثم قال ابن الصلاح: ويشبه أن يكون العمل على هذا الرأي في كثير من كتب الحديث المشهورة؛ في غير واحد من الرواة، الذين تقادم العهد بهم، وتعذرت الخبرة الباطنة بهم، والله أعلم. اهـ.

إلا أنّه من المعلوم أنّ الإمام المتأخر؛ لو وقف على أصول الراوي، فإنَّه يتمكن من خلال الأصول أن يعرف دين الراوي وورعه، وكذلك يعرف تدليسه واختلاطه، لكن يرد على ذلك أن بعض الأئمة قد يتكلم في الراوي لمجرد حديث واحد سمعه، ولا شك أنه في هذه الحالة، لا يتمكن من الوقوف على عدالته الباطنة، والله أعلم.

وللإمام الذهبي كلام يشد من أزر مذهب ابن حبان أيضاً، إلاَّ أنَّ الحافظ ابن حجر تعقبه، ففي «لسان الميزان» (5/4-5) ط/ دار الكتب العلمية، ترجمة مالك بن الخير الزيادي، قال ابن القطان: وهو ممن لم تثبت عدالته اهـ.

قال الذهبي: يريد أنه ما نص أحدٌ على أنَّه ثقة، وفي رواة «الصحيحين» عدد كثير ما علمنا أن أحداً نص على توثيقهم والجمهور على أنمنكان من المشايخ، قد روى عنه جماعة، ولم يأت بما يُنكر عليه، أن حديثه صحيح. انتهى.

قال الحافظ: وهذا الذي نسبه إلى الجمهور، لم يصرح به أحد من أئمة النقد إلا ابن حبان، قال الحافظ: نعم، هو حق في حق من كان مشهوراً بطلب الحديث والانتساب إليه، كما قررته في «علوم الحديث».

ثم إن قول الشيخ: إن في رواة «الصحيح» عدداً كثيراً… إلى آخره، مما يُنازع فيه، بل ليس كذلك، بل هذا شيء نادر؛ لأنَّ غالبهم معروفون بالثقة، إلا من خرّجا له في الاستشهاد…، اهـ.

وهذا النص من الحافظ يدل على تفرد ابن حبان دون أئمة النقد بهذا المذهب، ومما ينبغي أن أنبِّه عليه: أن في بعض نسخ «لسان الميزان» تصحيفاً وسقطاً، وقد نظرت في «فتح المغيث» (1/323) وأصلحت منه ومن غيره ما ظهر لي أنه خطأ أو تصحيف، والله أعلم.

وعلى كل حال؛ فلا يخلو مذهب ابن حبان هذا من تساهل، وإن حاول المعلَّمي يرحمه الله أن يضم آخرين إلى ابن حبان في هذا المذهب كما في «التنكيل» (ص:256)، والله أعلم.

(تنبيه):

فسَّر ابن حبان العدل بأنه من كان أكثر أحواله طاعة الله، وغيّر العدل بلآنه من كان أكثر أحواله معصية الله، كما سبق في مقدمة «الإحسان» (1/152)، وهذا تعريف غير دقيق؛ لأنَّنا لو اشترطنا الأكثرية في الأمرين: لزمنا أن من قام بأكثر من نصف المحرمات؛ فهو غير عدل، والذي عليه الكثير من أهل العلم أن من جاهر بكبيرة واحدة، وتهاون بها؛ رُدَّت روايته، وإن تمسك بباقي الشرائع، فالعدل الذي يتمسك بالأوامر، ويترك المحرمات، وإن غلبته نفسه تاب وأناب، وأصلح من أمره ما استطاع إلى ذلك سبيلاً، والله أعلم.

3- كلام ابن حبان في «المجروحين» (1/8) يدل على أنَّه يشترط في صحة الحديث: أن يكون روايه ثقة في دينه وهو محمول على ما سبق في الأمر الثاني -، وأن يكون معروفاً بالصدق في حديثه، وهذا يدل على أنه يشترط الضبط في الراوي، بل اشترط أن يعرف ما يحيل معنى الحديث عن وجهه، مع سلامة السند من عنعنة مدلس، فضلاً عن الانقطاع الجلي.

وذكر في مقدمة كتابه «التقاسيم» المعروف بـ «صحيح ابن حبان» نحو ذلك، وبين أن صدق الراوي في حديثه، يكون بالشهرة فيه، وهذا دليل على اشتراطه الضبط؛ لأنَّ الراوي إذا اشتهر بالطلب؛ دلّ ذلك على عنايته بالرواية.

ومن اعتنى بالرواية، وذاكر أهل العلم بالروايات، قويت شوكته، وتم ضبطه، بخلاف المقلّين في الروايات، الذين لا يعتنون بالطلب، فتكثر في أحاديثهم الأوهام.

إلا أنَّ الذي ينظر في كتاب «الثقات» يجد ابن حبان يرحمه الله يذكر جماعة من الرواة المقلين في الرواية، بل قد يذكرمنليس له إلا حديث واحد، بل قد يذكر من ليس له حديث مسند، إنما يروي الحكايات فقط، فأين اشتراط الشهرة بالطلب؟!

وهناك عدة تراجم تدل على ما قلتُ:

قال في عقال بن شبة: ما له إلا حديث واحد في الجمع بين الصلاتين، اهـ(7/306).

وقال في أبيّ بن قيس أخي علقمة بن قيس -: ليس له حديث مروي يُرجع إليه، إلا ما يحى عنه النخعي الحرف بعد الحرف، اهـ (4/51).

وقال في عامر بن عبدالله بن عبد قيس التميمي العنبري: روى عنه الحسن، وابن سيرين، وأهل البصرة، لست أحفظ له خبراً مسنداً حدَّث به، اهـ (5/187).

وقال في حسان بن أبي سنان العابد: يروي عنه أهل البصرة الحكايات والرقائق، ولست أحفظ له حديثاً مسنداً، اهـ (6/225).

وقال في كهمس بن الحسن القيسي العابد: يروي الرقائق، ما له حديث مسند يُرجع إليه، روى عنه البصريون الحكايات، اهـ (7/358).

وقال في عبدالعزيز بن سليمان العابد: ممن له حكايات كثيرة مروية في الرقائق والعبادات…

قال: وإنّما ذكرته لشهرته في المتعبدين، ولِمَا كان فيه من استجابة الدعاء. اهـ(8/394).

وقال في عرفجة العابد: ليس له حديث مسند يُرجع إليه، وله الحكايات في التعبد، اهـ (8/524).

فكيف يقال بعد ذلك: إنَّ ابن حبان لا يوثِّق إلا المشهور بالطلب؟! فالذي يظهر أنَّه إذا لم يجد عند الراوي روايات منكرة، اعتبره ضابطاً، وهذا صحيح في الجملة، لأنَّ الراوي إذا كان مكثراً؛ تيسر للناقد الحكم عليه، أما الملقلون، أو من ليس لهم حديث مسند أصلاً -؛ فكيف يُحكم عليهم بالضبط؟! ولذلك نرى ابن عدي في أمثال هؤلاء – يقول: وفلان في مقدار ما يرويه، لم يتبيَّن لي صِدْقُه من كذبه أو بهذا المعنى -.

قال الحافظ في «النكت» (1/291) في معرض بيان عدم اشتراط ابن حبان الضَّبْطَ: ومما يعضد ما ذكرنا: احتجاج ابن خزيمة وابن حبان بأحاديث أهل الطبقة الثانية، الذي يخرج مسلم أحاديثهم في المتابعات، كابن إسحاق، وأسامة بن زيد الليثي، ومحمد بن عجلان، ومحمد بن عمرو بن علقمة، وغير هؤلاء، اهـ.

والذي يظهر أنَّ ابن حبان قد اشترط الضبط، ويكون العدل عنده أي في الرواية، فيشمل العدالة في الدين والضَّبط، إلا أن صنيعه الذي قدمتُه يدل على أنَّه لم يوف بذلك في كتابه «الثقات»، أو أنَّه يفهم الضبط بخلاف فهم غيره، كما سبق قبل قليل.

ولو نظرت في تقسيمه أجناس المجروحين، كما في كتابه «المجروحين» النوع الخامس (1/67) واالنوع السادس (1/68) والنوع السابع (1/68-69) والنوع الثاني عشر (1/75) علمت أنّه يتحاشى رواية غير الضابطين، وكذلك لو نظرت في أجناس الثقات الذين لا يحتج بهم، لرأيت نحو ذلك، إلا أنَّ هذا كله محمول على ما تقدم، والله أعلم.

4 لم يصرح ابن حبان فيما سبق نقله من مقدمة «الإحسان» (1/151-152) بأنَّه يشترط في صحة الخبر عنده أن يكون سالماً من الشذوذ والعلة، وإنّما الذي يظهر أنَّه اشترط العدالة والضبط على ما سبق فيهما من بحث والاتصال.

ويشهد لذلك اسم كتابه؛ فقد سماه بـ «المسند الصحيح على التقاسيم والأنواع؛ من غير وجود قطع في سندها، ولا ثبوت جرح في ناقليها».

وقد قال الحافظ في «النكت» (1/290-291) في معرض كلامه على عدم اشتراط ابن حبان الضبط -: وسمى ابن خزيمة كتابه: «المسند الصحيح المتصل بنقل العدل؛ عن العدل من غير قطع في السند، ولا جرح في النقلة».

قال: وهذا الشرط مثل شرط ابن حبان سواء؛ لأنَّ ابن حبان تابع لابن خزيمة، مغترف من بحره، ناسج على منواله، اهـ.

ولو تأملنا كلام ابن حبان في عدة مواضع من «الصحيح» و«المجروحين»؛ ظهر لنا أن ابن حبان يقف في بعض حديث المشاهير للمخالفة، وإن لم ينصَّ على نفي الشذوذ والعلة في كلامه على الحديث الذي يحتج؛ فقد قال في مقدمة «صحيحه»:

وقد تركنا من الأخبار المشاهير التي نقلها عدول ثقات، لعل تبيَّن لنا منها الخفاء على عالم من الناس جوامعها، وإنّما نُمْلِي بعد هذا علل الأخبار، ونذكر كل خبر مرويّ صح أو لم يصح، بما فيه من العلل، إن يسَّر الله ذلك وسهله، اهـ من «الإحسان» (1/166)؛ فهذا يدل على أنَّ أمر العلة لا يخفى على ابن حبان.

ولو تأملنا ما ذكره في «المجروحين» (1/90) تحت عنوان: ذكر أجناس من أحاديث الثقات التي لا يجوز الاحتجاج بها، لو تأملنا هذه الأجناس؛ علمنا أنه متيقظ للسلامة من العلة، فقد قال يرحمه الله -: ومن أحاديث الثقات أجناس لا يحتج بها، قد سبرتُ رواياتهم، وخبرتُ أسبابها، فرأيتها تدور في نفس الاحتجاج بها على ستة أجناس:

الجنس الأول: وهو الذي كثر في المحدثين، فمنهم من كان يخطئ الخطأ اليسير، إما في الكتابة حيث كتب، ولم يعلم به، حتى بقي الخطأ في كتابه إلى أن كبر، واحتيج إليه، مثل تصحيف اسم يُشبِه (اسماً)، ومثل رفع مرسل، أو إيقاف مسند، أو إدخال حديث في حديث، أو ما يشبه هذا… ثم بيّن أن حديث هؤلاء لا يحتج به إذا انفردوا.

ثم ذكر في الجنس الرابع: أنه لا يقبل من الثقة الحافظ حديثه إذا حدث من حفظه، وليس بفقيه؛ لاعتناء هذا الصنف بالأسانيد دون المتون.

وذكر في الجنس الخامس: أنّه لا يحتج بالفقيه إذا حدث من حفظه، وهو ثقة في روايته؛ لأنَّ الغالب على هذا الصنف حفظ المتون دون الأسانيد، اهـ ملخصاً (1/93) وهذا يدل على عدم قبوله ما فيه علة، وإن كان لا يُسلَّم له ما قاله في الحفاظ والفقهاء.

ومن نظر في تراجم «صحيحه» علم أنَّهُ يعتني بدفع العلل عن كثير من الأحاديث التي يوردها، فيقول: ذكر الخبر المدحض كون من زعم أنَّ هذا الخبر تفرد به فلان، أو زعم أنَّ هذا الخبر معلول، أو ذُكْر خبر قد يوهم غير المتبحر في صناعة الحديث أنَّ خبر فلان معلول.

وفي (5/184-185) قال: عبدالحميد يعني: ابن جعفر رضي الله عنه -، – أحد الثقات المتقنين قد سَبرتُ أخباره، فلم أره انفرد بحديث مُنكر لم يشارك فيه، وقد وافق فليحُ بن سليمان وعيسى بنُ عبدالله بن مالك عن محمد بن عمرو بن عطاء عن أبي حميد عبدَالحميد في هذا الخبر. اهـ. عقب الحديث رقم (1867) فهذا كله يدل على أنَّه ينظر في علل الروايات.

هذا مع أنَّه كما في مقدمة «الإحسان» (1/157) قال: وأما قبول الرفع في الأخبار؛ فإنّا نقبل ذلك عن كل شيخ اجتمع فيه الخصال الخمس التي ذكرتها، فإن أرسل عدل خبراً، وأسنده عدل آخر، قبلنا خبر من أسند؛ لأنَّه أتى بزيادة حفظها، ما لم يحفظ غيره ممن هو مثله في الإتقان، فإن أرسله عدلان، وأسنده عدلان، قبلت رواية العدلين اللذين أسنداه على الشرط الأول.

وهذا الحكم فيه كثُر العدد فيه أوْ قلّ فإن أرسله خمسة من العدول، وأسنده عدلان، نظرت حينئذٍ إلى من فوقَهُ بالاعتبار، وحكمت لمن يجب، قال: كأنَّا جئنا إلى خبر رواة نافع، عن ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم اتفق مالك، وعبيدالله بن عُمر، ويحيى بن سعيد، وعبدالله بن عون، وأيوب السختياني، عن نافع، عن ابن عُمر، ورفعوه، وأرسله أيوب بن موسى وإسماعيل بن أمية، وهؤلاء كلُّهم ثقات، أو أسند هذان، وأرسل أولئك، اعتبرت فوق نافع: هل روى هذا الخبر عن ابن عمر أحدٌ من الثقات غيرُ نافع مرفوعاً، أو من فوقَهُ؟ على حسب ما وصفنا، فإذا وُجد ما قلنا، قبلنا خبر من أتى بالزيادة في روايته على حسب ما وصفنا -.

قال: وفي الجملة يجب أن يعتبر العدالة في نقلة الأخبار، فإذا صحت العدالة في واحد منهم، قُبل منه ما روى من المسند، وإن أوقفه غيره، والمرفوع وإن أرسله غيره من الثقات؛ إذ العدالة لا توجب غيره، فيكون الإرسال والرفع عن ثقتين مقبولين، والمسند والموقوف عن عدلين يقبلان، على الشرط الذي وصفناه، اهـ.

وهناك مواضع كثيرة تدل على طريقة ابن حبان في سبر الروايات كما في «الإحسان» (1/153-155) -، فأنت ترى أنَّ ابن حبان يعتني بباب سبر الروايات، إلا أنَّ تحصيل كلامه يدل على وجود فرق بين طريقته في الإعلال، وبين طريقة الجهابذة من الأئمة، فالظاهر أنّه يميل في الجملة إلى مذهب جمهور الفقهاء والأصوليين في قبول زيادة الثقة، إلا أنَّه قد يُعلٌّ بعض الزيادات، وليس هو في ذلك كنقاد الحديث، وقد قال الحافظ في «النكت» (2/726) وهو معروف بالتساهل في باب النقد… اهـ. وانظر «الصارم المنكي» (ص:104-105). وقد احتج بعض أهل العلم بأنَّ ابن حبان اشترط في الخبر سلامته من النكارة، واستدل بذلك على أنَّ ابن حبان يشترط في الخبر السلامة من الشذوذ والعلَّة، وهذا استدلال ليس بوجيه:

لأنَّ الظاهر أنَّ ابن حبان يعني بالنكارة: العلَّة الظاهرة لا الخفية؛ لأنَّه قال: فإذا وجد خبر منكر عن واحد ممن أذكره في كتابي هذا، فإنَّ ذلك لا ينفك من إحدى خمس خصال، وذكر: ضعف شيخ من ذكره، أو ضعف تلميذه، أو الإرسال والانقطاع، أو التدليس من أحد الرواة، ولم يعرّج على ذكر العلة الخفية من قريب ولا من بعيد، في هذا الموضع، والله أعلم.

5 الذي ينظر في كتاب «الثقات» يجد أن من ذكرهم ابن حبان ليسوا على درجة واحدة، بل هم أصناف كثيرة، وهاك تفصيل ذلك، وهو الجواب على ما ورد في السؤال:

(1)هناك تراجمُ ذَكرها ابن حبان في «الثقات» وقال فيها: ضابط، أو متقن، أو كان من علماء الناس في زمانه، أو كان متيقظاً يحفظ، أو كان ممن يتعاطى الحفظ، أو كان صاحب حديث، أو حسن المذاكرة، ممن جمع وصنف، أو كان من علماء الحديث، أو كان صاحب حديث يحفظ، أو كان يحفظ حديثه أو أكثر حديثه -، أو كان من متقني أهل الكوفة مثلاً أو ثْبت، أو من الحفاظ المتقنين، أو أعلم الناس بحديث فلان.

وعدد التراجم التي وصفها بهذا الوصف تقريباً (152) ترجمة، منها في طبقة التابعين أربع تراجم، وفي أتباعهم ثمان وأربعون ترجمة، وفي أتباع أتباعهم مائة ترجمة.

فهذه الدراسة تثبت لنا أنَّه لا يطلق المدح في الراوي؛ إلا بعد الوقوف على حديثه؛ لأنَّ الطبقات القريبة منه، قد تَمَكَّن فيها من الوقوف على حديث الراوي أكثر منه في الطبقات البعيدة عنه، إلا أنَّهُ يطلق التوثيق وإن لم يقف للراوي إلا على حديث واحد، أو بعض الحكايات غير المسندة.

ثم لو نظرنا في هذه التراجم السابقة، وقارنّا كلامه مع كلام غيره، ولو بالنظر إلى «تقريب التهذيب» للحفاظ ابن حجر الذي هو تلخيص لأقوال الأئمة التي في «تهذيب التهذيب» غالباً لرأيناه قد توبع في التوثيق على (123) ترجمة، وخولف في ترجمتين، مع أن المخالفة محتملة، انظر ترجمة عبدالرحيم بن ميمون أبي مرحوم (7/134) وترجمة عصام بن يوسف البلخي (8/521) من «الثقات»، ونرى أنه انفرد بمدح سبع وعشرين ترجمة.

وحسب هذه الدراسة، فالنفس تطمئن إلى اعتماد هذا النوع من توثيق ابن حبان، لأنَّه قد توبع على نسبة عاليةمنالتراجم، والمخالفة لا تكاد تذكر، فإذا كثرت الموافقة، وقلّت المخالفة، قُبل ما انفرد به، وهذا هو النهج السديد في معرفة تشدد الإمام أو تساهله أو اعتداله.

ثم لو نظرنا نظرة أُخرى في نوعية الموافقة التي وافق فيها غيره من الأئمة:

نجد أن من جملة التراجم التي مدحها وهي (123) ترجمة، قد حكم الحافظ على (107) ترجمة منها بقوله: ثقة، أو ثقة حافظ، أو ثقة ثبت، أو إمام.

وفي (14) ترجمة قال الحافظ: صدوق: أو ما في معناه، وسقط ترجمتان لعل ذلك عن سهو في حصر التراجم، والله أعلم.

فهذا كله يفيدنا أن توثيق ابن حبان على هذا النحو توثيق معتمد، والله أعلم.

وهناك تراجم قد يقول فيها ابن حبان: متقن ربما وهم» وهي نحو ست تراجم، حكم الحافظ على خمس منها بالوهم أيضاً، وخالفه في واحدة، فلم يعتبر حكم ابن حبان عليها بالوهم، فهذا كلهُ يدل على تحري ابن حبان يرحمه الله.

لكن ينبغي التنبيه على أمور:

الأول: أنَّ أكثر الذين تفرد ابن حبان بمدحهم قوم عوجلوا بالموت، ولم يشتهر أمرهم، فلعل تفرده بذلك لأن غيره لم يعرفهم، ومن عرف حجة على من لم يعرف.

الثاني: أنَّه قد يذكر الراوي، ويصفه بالإتقان، ويصرح بأنَّه ليس له حديث مسند، كما قال في مسمع بن عاصم أبي سنان (9/198) من «الثقات»: كان من عباد البصرة ومتقنيهم، ما له حديث مسند يرجع إليه، لكن الحكايات في فضائله وتعبده كثيرة، اهـ ويظهر ليّ أن كلمة «ومتقنيهم» تصفحت عن «ومتقيهم» والله أعلم.

الثالث: أنَّ هذه الدراسة التي قمت بها، تُعْتَبر تقريبية، وليست بتلك الدرجة في الدقة، لكن اطمأنت نفسي لها في الجملة، والله أعلم.

والخلاصة: أنّنا نعض بالنواجذ على هذا النوع من توثيق ابن حبان، وهو في الدرجة العالية من التوثيق، ويجمع بين كلامه وكلام غيره إذا خولف، ويُرجَّح الراجح بالقرنية، والله أعلم.

(2)وقد يذكر ابن حبان الراوي، ويقول: مستقيم الحديث، أو استقامته في الحديث استقامة الأثبات، أو مستقيم الحديث إذا روى عنه ثقة، أو روى عن الثقات، أو حسن الحديث مستقيم، أو مستقيم الأمر فيما يروي، أو مستقيم الحديث من المتقنين، أو استقام في أمر الحديث إلى أن مات، أو مستقيم الحديث ربّما أخطأ، أو يغرب، أو حسن الاستقامة في الروايات، أو مستقيم الحديث جداً، أو كان تقياً نقياً، أو صدوق في الرواية أو صدوق، أو ثقة في فلان دون فلان، أو ثقة، أو ثقة فقيه، أو ثقة ثقة، أو لم أرّ في حديثه إلا الاستقامة، أو حديثه يشبه حديث الاثبات، أو لم أرَ في حديثه ما في القلب منه، وعدد هذه التراجم نحو (226) ترجمة.

توبع على التوثيق والمدح في (104) ترجمة.

وافرد بـ (112) ترجمة، وخولف في عشر تراجم.

فنسبة المخالفة إلى الموافقة قليلة جداً، ولذا نقبل تفرده.

ونلاحظ أنَّ التراجم التي يرفع في مدحها يتابع في الغالب عليها، وكذلك التي ينص على وجود الخطأ فيها، والتي يقول فيها: «مستقيم الحديث» يظهر أنَّ التوثيق فيها أكثر وأرجح، إمّا بمنزلة: «ثقة»، أو بمنزلة: «صدوق»، ولعل منزلة: «ثقة» أظهر، ونلاحظ أيضاً أنَّ هذه الأقوال لم تأتِ عنه في طبقة التابعين، إنّما وردت في الأتباع، وأكثر منها جداً في تبع أتباع التابعين، وهذا يدل على أنَّ إطلاقه ذلك يكون بعد الوقوف على حديثهم غالباً إلا أنّه يطلق ذلك ولو لم يقف إلا على حديث أو حكاية، وفي هذا توسع غير مرضي، والذي تطمئن إليه النفس أنَّ حكمه في هذه الطائفة يكون كحكم غيره، في الاعتماد عليه، ويُجمع بين كلامه وكلام غيره إذا خولف، ويُرجح الراجح حسب القرائن، الله أعلم.

(3) وكثيراً ما يذكر الراوي ويقول: يغرب، أو يخطئ، أو ربّما أخطأ، أو وهم، أو تفرد، أو يخالف، أو رديء الحفظ، أو ليس من الذين يحفظون، أو يخطئ وينفرد على عدالته، أو يغرب ويتفرد ويخطئ ويخالف، أو ربّما يكون في روايته بعض المناكير، أو يغرب على قلة حديثه، أو ليس له روايةٌ يعتمد عليها، أو يخطئ كثيراً، أو لا يعجبني الاحتجاج به، أو لست أعتمد عليه، أن لا يعتبر بحديثه، أو يدخله في «الثقات» لأنّه شك فيه، لأنَّ له مدخلاً للضعفاء، ومدخلاً للثقات، وجملة التراجم هذه على وجه التقريب (549) ترجمة.

وقد أدخل بعضهم في كتابه «المجروحين» وجرحهم بشدة، وعددهم عشر تراجم تقريباً.

وهم:

1 حبة بن جوين العرني، في «الثقات» (4/182)، وفي «المجروحين» (1/264).

2 زياد بن عبدالله النميري، في «الثقات» (4/256)، وفي «المجروحين» (1/304).

3 عمران العمى عن أنس، في «الثقات» (5/224)، وفي «المجروحين» (2/123).

4 بكر بن سوادة قصرى، في «الثقات» (6/104)، وفي «المجروحين» (1/187).

5 الحسن بن عطية العوفي، في «الثقات» (6/170)، وفي «المجروحين» (1/228).

6 الحكم بن مصعب القرشي، في «الثقات» (6/187)، وفي «المجروحين» (1/244).

7 محمد بن ذكوان السمَّان، في «الثقات» (7/417)، وفي «المجروحين» (2/262).

8 حماد بن قيراط، في «الثقات» (8/206)، وفي «المجروحين» (2/262).

9 محمد بن الحسن الأسدي، في «الثقات» (9/78)، وفي «المجروحين» (2/277).

10 وهب بن راشد، في «الثقات» (9/228)، وفي «المجروحين» (3/75).

وبعض هذه التراجم يحتاج إلى نظر.

وقد أدخل أيضاً بعضهم في «المجروحين» وجرحهم جرحاً خفيفاً، وعددهم تقريباً (12) ترجمة.

وقد أدخل محمد بن المنذر بن الزبير في «الثقات» (7/437) وفي إدخاله إياه في «المجروحين» اشتباه، كل هذا فيمن ذكرهم في «الثقات» وجرحهم جرحاً خفيفاً، وقد ذكر في «الثقات» عدة تراجم، وذكرهم بكثرة الخطأ، ولم يذكر منهم في «المجروحين» إلا ترجمة واحدة، وهي ترجمة عبدالله بن عُصْم الحنفي في «الثقات» (5/57) وذكرها في «المجروحين» (2/5).

فالشاهد: أنَّه ليس كل من أدخله ابن حبان في «الثقات» كان ممن يُحْتَج به عنده، خلافاً لما صرح به في مقدمة «الثقات» (1/11-13) ونلاحظ أن قوله: «يخطئ) وما في معناه في الطبقات المتأخرة أكثر منه في الطبقات العالية.

(4)وهناك تراجم ذكر فيها أن الراوي لم يروِ مسنداً، أو ما له حديث يُرجع إليه، أو يروي المقاطيع، وعدتهم (17) ترجمة.

وهم:

1 عامر بن عبدالله بن عبد قيس التميمي العنبري، (5/187).

2 محمد بن بشير الأنصاري، (5/366).

3 محمد بن ثوبان، (5/370).

4 حسان بن أبي سنان العابد، (6/225).

5 خليفة العبدي، (6/268).

6 سالم بن مخراق العبدي، (6/411).

7 عتبة الغلام هو ابن أبان بن صمعة، (7/270).

8 يزيد الضبي، (7/620).

9 توبة بن الصمة الزاهد، (8/156).

10 سليمان الخواص العابد، (8/277).

11 عبدالعزيز بن سليمان العابد، (8/394).

12 عمر العنْزي، (8/442).

13 عيسى بن جابان، (8/491).

14 وأعاد ذكر عتبة بن أبان، (8/507).

15 قعنب اليمامي، (9/23).

16 محمد بن النضر الحارثي، (9/72).

17 مسمع بن عاصم أبو سنان، (9/198).

وكونه يذكر الرجل وليس له حديث مسند، دل ذلك على عدم اعتناء المترجم بالرواية.

فكيف يقال: إن ابن حبان لا يوثِّق إلا المشهور بالطلب؟! والراوي إذا لم يرو المسندات، لا يتمكن الناقد من معرفة حاله، كما هو معلوم، وانظر «الثقات» (7/123) ترجمة عبدالواحد بن قيس الشامي.

(5)وقد يذكر ابن حبان الراوي، ولم يذكر عنه إلا راوياً واحداً، ثم يضعف هذا التلميذ، أو يضعف السند إليه، أو يتشكك في اتصاله، أو يضعف حديثه.

وهؤلاء هم:

1 زياد مولى عثمان بن عفان -، (4/260).

2 أيوب بن قطن، (4/29).

3 شرحبيل بن القعقاع، (4/365).

4 عبدالعزيز بن سعيد بن سعد بن عبادة، (5/125).

5 عبدالحكيم البصري يروي عن عائشة، (5/131).

6 عبدالسلام أبو كيسان البصري، (5/131).

7 عبيد بن أبي عبيد مولى أبي رهم، (5/135).

8 عامر بن خارجة بن سعد، (5/194).

9 عمير بن المأمون التيمي، (5/256).

10 عطية بن بسر، (5/261).

11 محمد بن ركانة بن عبد يزيد، (5/360).

12 وثيمة النصري، (5/499).

13 هرمز والد عبدالرحمن بن هرمز الأعرج، (5/94).

14 يحيى بن عباد بن عبدالله بن الزبير، (5/519).

15 ابنة سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل، (5/594).

16 بشر بن عبدالله بن أبي أيوب الأنصاري، (6/96).

17 عمر بن يزيد النصري، (7/179).

18 عثمان بن دينار، (7/194).

19 محمد بن علوان، (7/410).

20 يحيى بن عبدالرحمن، (7/606).

21 إبراهيم بن جريج الرهاوي، (8/61).

22 الفرات بن نصر، (9/14).

ونلاحظ أنَّ هذا في التابعين أكثر، وكلّما نزلت طبقة الراوي قلّ إطلاق ابن حبان هذا القول في ترجمة الراوي، وإذا كان الراوي قد عرفه ابن حبان من رواية أحد التلاميذ، ثم ليّن تلميذه، فكيف يحكم بتوثيقه؟ نعم، إن كان له أكثر من راو؛ فالأمر أهون، كما في عنترة والد هارون بن عنترة، قال: روى عنه أبو سنان وابنه هارون، وهارون؛ الله المستعان على إثباته (5/282)، فهذا يدل على أنَّ إدخاله هؤلاء في «الثقات» ليس بصواب.

وقد يذكر الراوي برواية تلميذ عنه، ويبهم التلميذ، أو يحكم عليه بعدم المعرفة له: كما في حملة بن عبدالرحمن العكي (4/193)، وربيعة بن دراج (4/229)، وربيعة بن قيس (4/231)، وشداد أبي قادم الجريري (4/358)، وشرحبيل بن القعقاع (4/365)، وعبدالرحمن بن أمرئ القيس (5/94)، ومحمد بن عثمان الأخنسي (5/375)، ويعقوب بن غضبان (5/554) وهذا كله يدل على تساهله يرحمه الله -.

(6)وبعضهم يذكره ابن حبان من رواية مدلس عنه، أو يتشكك في سماع تلميذه منه، وقد مر بعض هؤلاء في المألة (5).

وهؤلاء هم:

1 زكريا بن أبي مريم الخزاعي، (4/263).

2 سنان بن جرير العنس، (4/337).

3 صالح بن أبي زيد النخعي، (4/373).

4 عبدالله بن جرهد الأسلمي، (5/22).

5 عبدالله بن أبي عثمان القرشي، (5/33).

6 عبدالله بن أبي مرة الزوفي، (5/45).

7 عطاء الحمصي عن عائشة، (5/204).

8 الفضل بن عيسى عن أنس، (5/296).

ونلاحظ أن هذا في التابعين فقط.

والراوي لا يكون ثقة، وهو لم يُعْرَف إلا برواية لا تصح إليه، كما هو معلوم.

(7)وبعضهم يذكره ابن حبان، ثم يقول: لا أدري من هو، وقد يزيد على ذلك فيقول: لا أدري مَنْ هو، ولا ابن من هو، وقد يقول: لست أعرفه ولا أباه، أو لست أعرفه، ولا مَنْ روى عنه، أو يقول: لسته أدري: هو الأول أي الترجمة السابقة أم لا، وقد يذكره على التردد فيه، أو في الراوي عنه، وعدة هؤلاء تقريباً: (64) ترجمة.

انظرها في هذه المواضع: (4/37، 39، 96، 126، 146، 180، 238، 265، 318، 342، 363، 384، 396)، (5/129، 142، 143، 207، 229، 295، 306، 367، 382، 390، 425، 428، 450، 459، 481، 494، 497)، (6/60، 106، 146، 168، 170، 178، 226، 240، 249، 253، 330، 372، 406، 415، 418، 445، 447، 458)، (7/55، 128، 188، 233، 300، 316، 406، 535، 598)، (8/41، 63، 241، 242 مرتين، 299)، (9/180).

ونلاحظ أن هذه العبارات كانت أكثر ذكرها في التابعين، وكلّما نزلت الطبقة قلّ ذكر هذه العبارات.

فإذا كان ابن حبان يذكر الراوي في «الثقات» وهو لا يعرفه، فكيف يوثقه؟.

فإن قيل: ينظر في حديثه ويقارنه بحديث الثقات، ويحكم عليه بالتعديل، إذا وجده يكثرمن موافقة الثقات.

فالجواب: أنَّ هذا الأمر لم يلتزم به ابن حبان في كل من أدخله في كتابه، ومما يدل على ذلك أنَّه ذكر ترجمة سيف أبي محمد شيخ يروي عن منصور -، قال: روى عنه عمرو بن محمد العنقري، لست أعرف أباه، فإن كان سيف بن محمد؛ فهو واه، وإن كان غيره؛ فهو مقبول الرواية حتى تصح مخالفته الأثبات في الروايات، أو يسلك غير مسلك العدول في الأخبار، فحينئذٍ يلزق به الوهن، اهـ (8/299)، فهذا يدل على أنَّ ابن حبان إذا وقف ولو على رواية واحدةّ ولم يرّ فيها منكراً؛ فإنَّه يوثق الراوي، وقد سبق أن هذا مذهبمنهو واسع الخطو في التوثيق، فَمِن هذا وغيْرِه دخل التساهل على ابن حبان؛ لتوسعه في شروطه، والله أعلم.

(8)وقد يذكر ابن حبان الراوي، ويقول: هو ممن استخير الله تعالى فيه، كما في زهرة بن معبد أبي عقيل القرشي (6/344)، أو يقول: هو مِمَّن استخرت الله فيه، كما في مصعب بن ثابت بن عبدالله بن الزبير (7/478)، وقد يصفه باستقامة حديثه، مع قربه من الضعفاء، كما في إبراهيم بن سليمان الزيات (8/68)، ومالك بن سليمان بن مرة النهشلي (9/165)، ونلاحظ أنَّه ليس في التابعين من هؤلاء أحد.

(9)وقد يذكر الراوي، ويقول: لست أعرفه بعدالة ولا جرح، ولم يذكر إلا تلميذاً واحداً، ويضعفه، كما في سليم بن عثمان أبي عثمان الطائي (6/415) قال: روى عنه سليمان بن سلمة الحبائري الأعاجيب الكثيرة، ولست أعرفه بعدالة ولا جرح، ولا له راوٍ غير سليمان، وسليمان ليس بشيء، فإن وُجد له راوٍ غير سليمان بن سلمة الحبائري، اعتُبِر حديثه، ويلزق به ما يتأهلهمنجرح أو عدالة، اهـ.

فأنت ترى ابن حبان يُدخل الرجل في كتابه، مع أنَّه يحتاج إلى نظر في حاله عنده.

وقال في محمد بن إبراهيم بن خبيب بن سليمان بن سمرة بن جندب: روى عنه مروان بن جعفر، لا يعتبر بما انفرد به من الإسناد، اهـ (9/58).

هذا ما تيسر ذكره في طريقة ابن حبان يرحمه الله في كتاب «الثقات»، وبقيت أمور سأذكرها إن شاء الله تعالى في «شفاء العليل بألفاظ وقواعد الجرح والتعديل» قسم التراجم والقواعد.

وخلاصة ما تقدم:

1 أن مَنْ ذَكرهم في كتابه «الثقات» ووصفهم بالحفظ أو الضبط والإتقان، ونحو ذلك كما مر في المسألة (1) فكلامه معتَمَد لا غبار عليه، ويعتبر الراوي من رجال الحديث الصحيح، فإن وافق ابنُ حبان غيره؛ فلا إشكال، وإن خالفه غيرُه؛ جمعنا بين كلامه وكلام غيره، أو رجَّحنا القول الراجح حَسْب ما يظهر من دلائل؛ وإن انفرد بالتوثيق، فكلامه معتمد.

2 إنَّ من ذكره في كتابه «الثقات» ووصفه بأنَّه مستقيم الحديث، ونحو ذلك مما مر في المسألة (2)، فكلامه أيضاً معتمد على النحو السابق، إلا أنَّ من وصفه بالاستقامة يتردد حديثه بين الصحة والحسن، ولعله إلى الصحيح أقرب.

3 من ذكرهم بالخطأ، فينظر: هل تكلم غيره فيهم أم لا؟ فإن كان لغيره من المعتدلين كلام؛ فقد نرجح كلام غيره، لأنَّ ابن حبان يتكلم في الراوي، ويذكره بالخطأ، لوجود أدنى خطأ في روايته، وصنيع الأئمة أنَّ من كان كثير الحديث، وله أخطاء تنغمر في سعة ما روى؛ فإنهم يطلقون فيه التوثيق، دون التفات إلى ذكر الخطأ في روايته، مع علمهم بأنّنه قد يخطئ، وإن لم يكن لغيره كلام، فيعتمد كلام ابن حبان، ولا يحتج بحديث الراوي إذا انفرد به؛ لأنَّ الراوي في هذه الحالة يكون مقلاًّ،  إذ لو كان مكثراً، لعلمه غير ابن حبان، وكشف لنا عن أمره، ولو لم يكن إلا بذكر أنه طلابة، أو رحّالة، أو محدّث، أو نحو ذلك، فإذا لم يكن شيء من ذلك؛ فالراوي مقل، وإذا كان ممن يخطئ أو يغرب مع قلة حديثه -؛ فلا يُحتج به، والله أعلم.

لكن إذا وصفه بالخطأ في كتابه «الثقات» ثم ذكره بالجرح الشديد في «المجروحين»، ولم نجد لغيره فيه كلاماً؛ فإنَّ حديث الرجل يُترك، والله أعلم.

4 وكذلك فلا يحتج برواية من روى عنْهُ راو فقط، وضعفه ابن حبان، أو ضعف السند إلى المترجم له، وكذلك الذين لا يعرفهم ابن حبان، فلا يحتج بهم لمجرد ذكره إياهم في «الثقات».

5 ومن ذكرهم ولم يصفهم بشيء وهم كثير جداً -: فإن كان لغيره كلام اعتمدناه، وإلا نظرنا في عدد تلاميذ الراوي، وشهرتهم في هذا اتلفن، ونظرنا: هل الراوي مكثر أو مقل؟ فإن كان مكثراً وهذا نادر احتججنا به، وإن كان مقلاً فلا نحتج به، والله أعلم.

§ بقي الكلام على شيوخ ابن حبان في «الصحيح»:

فقد ذكر الشيخ عبدالرحمن بن يحيى المعلمي اليمني يرحمه الله تقسيماً لمراتب توثيق ابن حبان، في كتابه القيّم «التنكيل بما في تأنيب الكوثري من الأباطيل»، فقال في (ص:669):

والتحقيق أن توثيق ابن حبان على درجات:

الأولى: أن يصرح به، كأنْ يقول: «كان متقناً»، أو «مستقيم الحديث»، أو نحو ذلك.

الثانية: أن يكون الرجل من شيوخه الذين جالسهم وخَبَرهم.

الثالثة: أن يكون من المعروفين بكثرة الحديث، بحيث يُعلم أن ابن حبان وقف له على أحاديث كثيرة.

الرابعة: أن يظهر من سياق كلامه أنه قد عرف ذلك الرجل معرفة جيدة.

الخامسة: ما دون ذلك.

قال: فالأولى لا تقل عن توثيق غيره من الأئمة، بل لعلها أثبت من توثيق كثير منهم، والثانية قريب منها، والثالثة مقبولة، والرابعة صالحة، والخامسة لا يؤمن فيها الخلل، والله أعلم، اهـ.

قال شيخنا الألباني حفظه الله معلِّقاً على ذلك في حاشية «التنكيل».

قلت: هذا تفصيل دقيق، يدل على معرفة المؤلف يرحمه الله تعالى -، وتمكنه من علم الجرح والتعديل، وهو مما لم أره لغيره، فجزاه الله خيراً، غير أنَّه قد ثبت لديّ بالممارسة: أن من كان منهم من الدرجة الخامسة، فهو على الغالب مجهول لا يُعرف، ويشهد بذلك صنيع الحفاظ؛ كالذهبي، والعسقلاني، وغيرهما من المحققين؛ فإنَّهم نادراً ما يعتمدون على توثيق ابن حبان وحده ممن كان في هذه الدرجة، بل والتي قبلها أحياناً -…، اهـ، ففي كلام المعلمي يرحمه الله قبول توثيقه لشيوخه، وهذا محمول على ما إذا لم يعارضه غيره.

وقال ابن حبان: ولعلنا قد كتبنا عن أكثر من ألفي شيخ من اسبيجاب إلى الإسكندرية، ولم نرو في كتابنا هذا إلا عن مئة وخمسين شيخاً أقل أو أكثر، ولعل مُعَوَّل كتابنا هذا يكون على نحو من عشرين شيخاً؛ ممن أدرنا السنن عليهم، واقتنعنا برواياتهم عن رواية غيرهم، على الشرائط التي وصفناها.

وربّما أروي في هذا الكتاب وأحتج بمشايخ قد قدح فيهم بعض أئمتنا مثل: سماك بن حرب، وداود بن أبي هند، ومحمد بن إسحاق بن يسار، وحماد بن سلمة، وأبي بكر بن عياش، وأضرابهم، ممن تنكب عن رواياتهم بعض أئمتنا، واحتج بهم البعض، فمن صحّ عندي منهم بالبراهين الواضحة، وصحة الاعتبار على سبيل الدين أنَّه ثقة، احتججت به، ولم أعرَّج على قول من قدح فيه.

قال: ومن صحَّ عندي بالدلائل النيرة والاعتبار الواضح على سبيل الدين، أنه غير عدل؛ لم أحتجَّ به، وإن وثقه بعض أئمتنا…، اهـ من «الإحسان» (1/152-153).

فيظهر من ذلك أن مشايخه في «الصحيح» قد انتقاهم من جملة مشايخه، ويظهر أيضاً أنَّه قد عَرفهم معرفة جيدة، مما يقوي في النفس الاحتجاج بهم؛ لتصحيحه حديثهم، وهو فرع عن توثيقه إياهم، إلا أنّه إذا عارضه غيره، وقدح في أحد شيوخه، رجعنا للقرائن، ورجَّحنا الراجح، والله أعلم.

وقد ذكر شعيب محقق «صحيح ابن حبان» أنَّ عدد شيوخ ابن حبان (217) شيخاً، وأنّه أكثر عن (21) شيخاً منهم، انظر مقدمة التحقيق لـ «الإحسان» (1/11)، (1/12-16) وبعد هذا كلِّه؛ فتوثيق ابن حبان في كتابه «الثقات»: منه المعتمد، وكثير منه لا يخلو من تساهل، والله أعلم.

(تنبيه):

ذكر شيخنا الألباني حفظه الله أنّه لم ير في «المجروحين» راوياً واحداً جرحه ابن حبان بالجهالة؛ قال: فهذا يؤكد أنَّ الجهالة عنده ليست جرحاً، اهـ من «الضعيفة» (2/328-329/929).

قلت: المجهول عند ابن حبان: هو الراوي الذي لا يعرف إلا بنقل راوٍ واحد ضعيف عنه، انظر «الثقات» (5/560) وحكم روايته الترك على الأحوال كلِّها، انظر «لسان الميزان» (1/14)، و«المجروحين» (2/193) ترجمة: عائذ الله المجاشعي، والله أعلم.