الأسئلة الحديثية

هل يصح للباحث – اليوم – في الأحاديث، أن يحكم على الحديث بالصحة، إذا تأكد من الاتصال وثقة الرواة، أم لا بد من التأكد من السلامة من الشذوذ والعلة؟

هل يصح للباحث اليوم في الأحاديث، أن يحكم على الحديث بالصحة، إذا تأكد من الاتصال وثقة الرواة، أم لا بد من التأكد من السلامة من الشذوذ والعلة؟

من نظر في تعريفهم للحديث الصحيح، وأنَّه الحديث الذي يتصل سنده، بنقل عدل تام الضبط، عن مثله، إلى منتهاه، ولا يكون شاذاً ولا معللاً، وقد عزا ابن الصلاح يرحمه الله هذا التعريف لأهل الحديث، فقال بعد تعريفه للحديث الصحيح -: فهذا هو الحديث الذي يُحكم له بالصحة بلا خلاف بين أهل الحديث…، اهـ (ص:8) من «علوم الحديث» لابن الصلاح.

من نظر في ذلك علم أنَّهم يشترطون في الحديث الصحيح خمسة شروط:

1 الاتصال.                          2 عدالة الرواة.

3 تمام ضبطهم.                     4 السلامة من الشذوذ.

5 السلامة من العلة.

فعلى ذلك لا يسمى الحديث صحيحاً، إلا إذا توفرت فيه الشروط الثلاثة الأولى، وغلب على ظن الباحث بعد البحث السلامةمنالشذوذ والعلة.

ومن حكم على الحديث بالصحة، بمجرد ثبوت الشروط الثلاثة الأولى؛ فقد أهدر كلام المحدثين.

وقد قال السخاوي يرحمه الله في «فتح المغيث» (1/17-18): وأما من لم يتوقف من المحدّثين والفقهاء، في تسمية ما يجمع الشروط الثلاثة صحيحاً، ثم إن ظهر شذوذ أو علة رده، فشاذ، وهو استرواح، حيث يحكم على الحديث بالصحة، قبل الإمعان في الفحص عن تتبع طرقه، التي يُعلم بها الشذوذ والعلة، نفياً وإثباتاً، فضلاً عن أحاديث الباب كله، التي ربّما احتيج إليها في ذلك.

قال: وربّما تطرق إلى التصحيح متمسكاً بذلك أي: تصحيح الحديث لقولهم: صحيح الإسناد من لا يحسن، فالأحسن سدَُ هذا الباب، وإن أشعر تعليل ابن الصلاح ظهور الحكم بصحة المتن من إطلاق الإمام المعتمد صحةَ الإسناد، بجواز الحكم قبل التفتيش، حيث قال: لأنَّ عدم العلة والقادح هو الأصل الظاهر.

قال السخاوي: فتصريحه بالاشتراط يدفعه، مع أن قصر الحكم على الإسناد وإن كان أخف لا يسلم من انتقاد، اهـ.

ثم ذكر عن الحافظ أنَّه مال إلى تسمية الشاذ صحيحاً، والمحفوظ أصح، وانتهى إلى عدم العمل به مع صحته، كالمنسوخ، وبنحو ذلك نقل السيوطي في «التدريب» (1/65).

والأصح: ما تقدم عن السخاوي يرحمه الله -؛ لما سبق، ولأنَّ الحافظ نفسه قال بغير هذا؛ كما في «النكت» (1/474)، عند قول ابن الصلاح: لأنَّ عدم العلة والقادح هو الأصل؛ قال الحافظ -: لا نسلم أنَّ عدم العلة هو الأصل، إذ لو كان هو الأصل؛ ما اشتُرط عدمه في شرِط الصحيح، فإذا كان قولهم: «صحيح الإسناد»، يحتمل أن يكون مع وجود العلة، لم يتحقق عدم العلة، فكيف يحكم له بالصحة؟…، اهـ من كلامه على التفريع السابع بعد نوع الحسن.

–         وقد يقول قائل: لو نظرنا في صنيع الأئمة المتقدمين، لرأيناهم يصححون الحديث، إذا كان ظاهر إسناده السلامة من العلة، فإذا وقفوا على علة بعد ذلك أعلوه، ويلزمنا اتباعهم في ذلك، كما جاء في «العلل» للرازي (1/377/1122): سألت أبي عن حديث رواه قتادة وحماد بن سلمة عن عكرمة بن خالد بن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: «من باع نخلاً قد أبِّرت؛ فثمرتها للبائع، إلا أن يشترط المبتاع»، قال أبي: كنت أستحسن هذا الحديثمنذا الطريق، حتى رأيتمنحديث بعض الثقات عن عكرمة بن خالد عن الزهري عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، قال أبي: فإذا الحديث قد عاد إلى الزهري عن سالم عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم. اهـ. وبنحوه في (1/107/288)، (1/428/1287)، (2/238/2205).

فالجواب: أن الحفاظ لهم اطلاع واسع، ودراية فائقة بالروايات، فإذا سمع أحدهم حديثاً، نظر في إسناده، وقارنه بما يحفظمنروايات في هذا الباب، واعتبره بما يعلم من روايات التلاميذ الآخرين عن ذلك الشيخ، فإذا لم يجد فيه ما يعلّه، استحسنهُ، وقد يقف بعد ذلك على رواية لم يكن قد وقف عليهامنقبل، فتُفْسِد هذه الرواية الجديدةُ ما كان يعلمه عن الحديثمنقبل، فيغيَّر الإمام منهم عند ذاك اجتهاده.

فأنت ترى أنَّ الإمام إذا سمعبسند بحث عن علته، ولم يقبله حتى يعرضه على ما عندهمنروايات، وهذا بعينه هو البحث عن علة الحديث، حتى يغلب على الظن السلامة منها.

أما نحن معشّرَ الباحثين اليوم -؛ فليس لنا سبيل إلا جمع طرق الحديث، وسبر الروايات، وعرض الرواية على غيرها، لنقف على العلة، أو على السلامة منها، وكل هذا يعتبر أقل مما في صدر الحافظ من الحفاظ، والله أعلم.