ما حال راوٍ روى عنه ثقتان، ووثقه ابن حبان، مع العلم أنّ بعض أهل العلم يحسن لمن هذا حاله؟
راوٍ روى عنه ثقتان، وأدخله ابن حبان في كتابه «الثقات»، فهذا هو المقصود بكلمة «وثقه ابن حبان» هنا، يعني: أدخله في كتابه «الثقات» لأنّ له كلاماً في الرواة في كتابه «الثقات»، فأحياناً يقول: متقن، وأحياناً يقول: مستقيم الحديث، ففي كل حالة من هذه الحالات يختلف الحكم.
فإذا قال: متقن، أو من الحفاظ أو غير ذلك، فكلامه مقبول في هذا، ويكون الرجل مقبول الحديث وثقة([1])، وقد جمعت التراجم التي تكلّم عليها في كتابه «الثقات» بقوله: حافظ، أو ضابط، أو متقن، أو من الأئمة، أو من المتقنين، وقارنت كلامه بكلام غيره، فرأيتهم يوافقونه كثيراً، فدل ذلك على عدم تساهله في ذلك، كذلك إذا قال: مستقيم الحديث، فهو متردد بين «ثقة» و«صدوق» وسيأتي هذا – إن شاء الله – بتوسع في الجزء الثاني([2])، ففرق بين هذا وبين ذكره فقط للراوي في «الثقات»، فإذا كان ابن حبان قد اكتفى بإدخاله الراوي في «الثقات» فقط، والرجل لم يرو عنه إلا راويان، فهو في عداد المجهولين، جهالة الحال على تفاصيل مراجعة لحال تلامذته([3])، وشيخنا الألباني – رحمه الله – أراه في بعض كتبه، أو في كثير من المواضع من «السلسلة الصحيحة» يصرح بأن الرجل إذا روى عنه جماعة أو اثنان فأكثر، فإنّه يحسِّن حديثه، ويقبله، إذا ذكره ابن حبان في «الثقات»([4]) وتتبعت هذه المواضع فرأيته يفعل ذلك إذا كان من التابعين، لكن الذي تطمئن إليه النفس – في الجملة – أن الراوي لا يخرج عن كونه مجهول حال، لأنّ ابن حبان مشهور بتساهله في توثيق المجاهل، فانفراده بإدخال الرجل في «الثقات» أمر مريب، ويجعل طالب العلم يتوقف في هذا التوثيق، ولا يعتمد عليه، وفي «الضعيفة» رأيت صنيع شيخنا الألباني – رحمه الله – قد يخالف هذا في بعض المواضع، وهذا من الشيخ – عافاه الله من كل سوء – ليس معناه الاضطراب كما يظن بعض أهل الأهواء، بل لعله قد ظهرت له قرائن، ولم تظهر للناظر في كتبه، والله أعلم.
[1])) سبق معنا قبل قول المعلمي – رحمه الله -: أنّ توثيق ابن حبان – رحمه الله – على درجات:
الأولى منها: أن يصرح به كأن يقول: كان متقناً، أو «مستقيم الحديث، أو نحو ذلك، ثم قال – رحمه الله – بعد عرضه لتلك الدرجات: فالأولى لا تقل عن توثيق غيره من الأئمة بل لعلها أثبت من توثيق كثير منهم. اهـ من «التنكيل» (ص:669).
([2]) قلت: ومن هؤلاء الذين حكم عليهم ابن حبان بالاستقامة وقد روى عنهم اثنان أو أكثر ولم يوثقهم أحد من الأئمة ولم يجرحهم أحد؛ ومع ذلك أطلق عليهم الحافظ قوله: «صدوق» فمنهم على سبيل التمثيل: أحمد بن مصرف اليماني، روى عنه اثنان، وقال فيه ابن حبان: مستقيم الحديث، فقال فيه الحافظ ابن حجر «صدوق».
وكذا أحمد بن ثابت الجحدري: روى عنه جماعة وقال فيه ابن حبان: كان مستقيم الأمر في الحديث، قال فيه في التقريب: «صدوق»، وأمّا من حكم عليهم الحافظ بالتوثيق فمنهم طليق بن محمد بن السكي روى عنه جماعة، قال فيه ابن حبان في «الثقات»: «مستقيم الحديث كالأثبات» فقال الحافظ في تقريبه: «ثقة».
أقول: وقد يوجد فيمن أطلق عليهم الاستقامة المجروح والمضعف والمجهول ولكنهم قليل والله أعلم.
([3]) قال عداب الحمش في رسالة «رواة الحديث»:
الصنف الثاني: الرواة الذين سكت عليهم ابن حبان ويزيد عددهم على عشرة آلاف راوٍ فهؤلاء على طبقات متباينة، ولا يمكن إعطاء حكم دقيق ولا تقريبي عنهم ففيهم الثقة الحافظ، وفيهم الصدوق وفيهم المستور والمجهول، والمجهول الحال، وفيهم الضعيف، ومنكر الحديث إلخ اهـ (ص:71).
قلت: ومن نظر في صنيع الحافظ ابن حجر – رحمه الله – في حكمه على من أدخله ابن حبان في كتابه (الثقات) وسكت عنه وقد روى عنه راويان، يحد الحافظ يحكم عليهم بالجهالة، أو جهالة الحال أو يقول فيه: مقبول.
وقد يترجم الحافظ – رحمه الله تعالى – لمن هذا حاله بقوله: صدوق، فمن هؤلاء خالد بن سارة، روى عنه اثنان وذكره ابن حبان في «الثقات» فقال فيه الحافظ في «تقريبه»: «صدوق» وكذا الحسن بن منصور الرقي، قال فيه: «صوق» والصواب في كل منهما أن يقال: «مجهول» حال أو مستور كما رجّحه المؤلف، والله أعلم.
([4]) ذكر ذلك الشيخ الألباني – رحمه الله تعالى – مفصلاً في كتابه «تمام المنة» في (ص:205-206) ومن صنيعه في «الصحيحة» ما قاله – حفظه الله تعالى – تعليقاً على حديث: «عليكم بالإثمد فإنه منبتة للشعر…»، قال: وإسناد رجاله كلهم ثقات معروفون غير عون هذا فأورده ابن حبان في «الثقات» (2/128)، وقال: يروي عن أبيه، عن جده، روى عنه عبدالملك بن أبي عياش، قلت: – والكلام له حفظه الله – فقد روى عنه يونس بن راشد أيضاًوزاد في «الجرح والتعديل» (3/1/386): محمد بن موسى فالسند حسن، كما قال المنذري في «الترغيب» (3/115).