قد يقول قائل: نحن نسلم بأن القول: الزيادة من الثقة مقبولة، ليس على الإطلاق، لكن إذا خالف من هو أوثق منه مخالفة يتعذر فيها الجمع بين روايته ورواية الأوثق منه، على هيئة الجمع بين المطلق والمقيد، والعموم والخصوص، لأننا إذا أخذنا روايته ترتيب على ذلك أن نترك رواية الجماعة، وإن أخذنا رواية الجماعة، لزمنا أن نترك روايته، فحينذاك يكون شاذاً، أمَّا إذا أمكننا الجمع، فلا نقول بالشذوذ، فما الصواب؟
هذه مسألة يقول بها بعض من طلبة العلم، وللحافظ ابن حجر – رحمه الله – عبارة قريبة من هذا([1])، ولكن هذا الكلام غير صحيح، والصواب في مثل هذا: أنَّ المخالِف إذا كان دون غيره في العدد، أو في الوصف، وكان الفارق واسعاً بينهما، فيحكم عليه بالشذوذ، لمجرد انفراده بهذه الزيادة، فمجرد الانفراد بهذه الزيادة، يسمى مخالفة، وليأتنا قائل المقالة التي أشرت إليها آنفاً، بحديث واحد يتعذر الجمع فيه بين الزيادة وبين الأصل([2])!! فإن كان الخلاف عندنا في الإسناد بين الوصل والإرسال مثلاً، فنقول إن الراوي نشط فأسند، أوْ كَسَل فأرسل، وكذا القول في الوقف والرفع، وهذا غير صحيح لأنَّ العلماء يستخدمون هذه العبارة: «نشط فأسند أو كسل فأرسل» إذا كان تلامذة الراوي المختلفون عليه قريبين من بعضهم عدداً أو وصفاً، أمَّا رجل «صدوق» يخالف أوثق الناس، أو يخالف ثقة حافظاً، ففي هذه الحالة يقال: نشط فأسند أو كسل فأرسل؟! هذا غير صحيح، بل يحكم على «الصدوق» بالشذوذ أو بالنكارة، على تفاصيل في ذلك هذا من جهة الإسناد.
وأمَّا من جهة المتن؛ فإننا قد وجدنا العلماء في كتب العلل يعلون أحاديث كثيرة، ويعلُّون اللفظ الواحد في الحديث، مع أنَّه لا منافاة بينه وبين الأصل، كما في زيادة «إذا قرأ الإمام فأنصتوا»([3]) في «صحيح مسلم» فقد أعلَّها الحفاظ([4]) – وإن كان هناك من يقويها، أو يجد لها شواهد – لكن لم يقوها من قواها بقوله: لا منافاة بينها وبين الأصل، إنَّما يقويها بطرق أخرى سالمة من الكلام، مع أني لم أبحث أدلة من قواها، وكذا حديث «إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبعاً، أولاهن، أو أخراهن بالتراب، أو عفروه الثامنة بالتراب»([5]) وفي رواية «فليرقه» مع أنَّ الإراقة هي من لوازم الغسل، لأنَّك لا تستطيع أن تغسل الإناء إلاَّ إذا أ÷رقت ما فيه ومع ذلك أعلَّ الحفاظ كلمة (فليرقه» وانتقدوا على الإمام مسلم تخريجها، وعلى كل حال: فإلى وقتي هذا لم أجد زيادة تتنافى مع الأصل تنافياً يلزم رد الأصل، أو من أخذ الأصل ردها، وما أثبته من الأدلة وغيرها، كثيراً لمن نظر في كتب العلل، وهنا مذهب العلماء الكبار([6])، وهم القوم الذين لا يشقى بهم جليسهم، فالزم غرزهم، والله المستعان.
([1]) انظر عبارة الحافظ في التعليق رقم (164).
([2]) وهذا في حالة الزيادة والمزيد عليه والأمر كذلك غالباً في الحديثين المستقلين فقد قال الزركشي – رحمه الله – في «البحر المحيط»: وأمَّا التعارض في نفس الأمر بين حديثين صحيحين؛ فغير صحيح. قال ابن خزيمة: لا أعرف أنّه روى عن الرسول حديثان بإسنادين صحيحين متضادين ومن كان عنده فليأت به حتى أولف بينهما، وقال الشافعي في «الرسالة»: ولم نجد حديثين مختلفين، إلا ولهما مخرج أو على أحدهما دلالة إمّا موافقة كتاب الله أو غيره من السنن، أو بعض الدلائل. انتهى.
([3]) أخرجه مسلم (1/304) بترقيم عبدالباقي المؤلف.
([4]) قال النووي في زيادة: «وإذا قرأ فأنصتوا» (ج4 ص:123): وقد انتقدها الدارقطني: فقال النووي بعد ذكره من ضعفها واجتماع هؤلاء الحفاظ على تضعيفها مقدم على تصحيح مسلم، لا سيّما ولم يروها مسندة في صحيحه والله أعلم. اهـ وقد سبق الكلام على هذا الحديث وحديث أبي هريرة «في زيادة فليرقه» في السؤال رقم (18) فليراجع.
([5]) أصل الحديث متَّفق عليه، وقد تكلمت على طرقه بتوسع في «تحفة القاري بدراسة وتحقيق فتح الباري»، كتاب الوضوء برقم (48) المؤلف.
([6]) وسيأتي ذلك مفصلاً – بإذن الله تعالى – في الجزء الثاني من «إتحاف النبيل» رقم (217) جزى الله مؤلفه خير الجزاء.