الأسئلة الحديثية

معنى قول الترمذي : ” حديث حسن صحيح ” ؟

معنى قول الترمذي : ” حديث حسن صحيح ” ؟

استشكل بعض العلماء هذا القول ، وقالوا: هذا جَمْعٌ بين المتغايرين؛ لأن راوي الحسن قاصر عن رتبة راوي الصحيح في الضبط، فكيف يجتمع إثبات القصور ونفيه في حديث واحد؟

وقد أجاب العلماء عن هذا الإشكال بأجوبة،محصَّلُها فيما يلي :


 

1-أن تردد أئمة الحديث في حال رواية : جعل المجتهد يتردد في وصفه الحديث بأحد الوصفين ، هل يصف الحديث بالصحة لقول من وثق راويه، أو يصفه بالحسن لقول من وصفه بما يدل على خفة الضبط ؟ فيقال فيه :”حسن”باعتبار وَصْفِهِ عند قوم، و”صحيح”باعتبار وَصْفِهِ عند آخرين ،وذلك عند التفرد ،وغاية ما فيه: أنه حذف حرف التردد ، وتقدير الكلام : ” حسن أو صحيح” (1).، وعلى هذا فما قيل فيه ذلك فهو دون الصحيح وفوق الحسن ؛ للتردد ، والجزم أقوى من التردد، بلا تردد، والله أعلم .

وقريب من هذا الجواب من جهة المعنى : قول من أجاب عن ذلك بأن الجمع بين الصحة والحسن درجة متوسطة بين الصحيح والحسن، فما قيل فيه ” حسن صحيح ” أعلى رتبة من الحسن ودون الصحيح، فلم يُتَّفَق على الحكم بصحته الاصطلاحية(2)، وعد بعضهم هذا تحكمًا لا دليل عليه (3).

2-أن ذلك باعتبار إسنادين، أحدهما صحيح، والآخر حسن.

وهو على ذلك يكون أعلى مما قيل فيه صحيح ، وهو فرد (4) .

فإن قيل : إن الترمذي قد يجمع بينهما في حديث واحد مع قوله :”غريب لانعرفه إلا من هذا الوجه” وهذا يدل على أنه ليس له إلا إسناد واحد .

فالجواب : بأن هذا خارج عن موضع النـزاع ، إذْ الكلام فيما قال فيه :”حسن صحيح” فقط، لا ما قال فيه : ” حسن صحيح غريب ” أو ما قال فيه : ” حسن صحيح لانعرفه إلا من هذا الوجه”، والله أعلم .

3 – ومنهم من جمع بين القول الأول والثاني، فقال:إن كان للحديث إسناد واحد؛ فَيُفَسَّر كلام الترمذي بالقول الأول، وإن كان له إسنادان؛ فَيُفَسَّر بالقول الثاني (5).

وقد يقال : هل يلزم من كون الحديث عندنا له إسناد واحد، أو له إسنادان؛ أن يكون الأمر كذلك عند الترمذي، مع أنه لم ينص على أحد الأمرين ؟ فقد يكون الأمر عنده على خلاف ما عندنا ، فكيف نفسِّر مراده في كل حديث باعتبار حصيلتنا العلمية ، لاباعتبار ما عنده ؟ هذا ، مع أننا لم نقف على نص للترمذي بذلك التفسير الذي حملوا كلامه عليه ؟!! .

وقد يُجاب عن ذلك، فيقال : إن قوله: ” لا نعرفه إلا من هذا الوجه ” يدل على أنه ليس له – عنده – إلا طريق واحد ، ومالم يذكر فيه ذلك؛ فهذا يدل على أن الحديث له أكثر من طريق عنده ، وإلا فما فائدة التنصيص على الغرابة في بعض المواضع دون بعض ؟ إلا أن هذا لايلزم اطراده ، والله أعلم .

والمقصود :أن هذا القول الثالث – الذي قاله الحافظ – أقوى من غيره، على ما فيه من تأمل.

فإن كان هناك من يستقرئ هذه المسألة ، وينظر هل الترمذي يسير على ما ذكره الحافظ أم لا ؟ وإن كان قد يعكر على ذلك في الجملة اختلاف نسخ الترمذي ، ومالم يكن ذاك الاستقراء؛ فنحن نأخذ بقول الحافظ ابن حجر؛ لأنه إمام في هذا الشأن، وهو صاحب استقراء وفَهْم ، والأصل أنه إذا وضع قاعدة في هذا الفن قُبِلَتْ منه ، مالم نجد ما يردها ، والله أعلم .

فإن قيل : لماذا لاتُستقرأ هذه المسألة ، ويُفْصَل فيها ؟

فالجواب : أنني لا أرى كبير فائدة في ذلك ، مع ما يحتاج الأمر من جهد كبير في سبيل الوصول إلى هذه الفائدة .

أضف إلى ذلك أن اختلاف النسخ في الأحكام لا بد أن يُؤثر على ذلك ، فلذا آثرت ما سبق ، هذا بالإضافة إلى ما عند الترمذي – رحمه الله – من تساهل في الأحكام ، والله أعلم .

ولعل العلماء الذين أجابوا عن هذا الإشكال قد وقف كل منهم على أمثلة تدل على ما أجاب به ، وأما جعل ذلك قاعدة مطردة فأمر آخر ، والله أعلم .

4- أن المراد بذلك: أن متنه حسنٌ لغةً ، أي من جهة فصاحة اللفظ وجزالة المعنى ، وصحيح من جهة الإسناد.

ويلزم على هذا الجواب أن توصف جل الأحاديث النبوية بالحُسن؛ لوجود هذا الوصف في متونها ، إلا ماظهر أن الراوي أخطأ في روايته بالمعنى، أو رواه بلفظ فيه ركة (1)

5 – أنه حسن من جهة الفضل والبشارة والتيسير ، والأمور التي تميل إليها النفس ، ولا يأباها القلب ؛ هو حديث حسن ، وصحيح من جهة إسناده ، قاله ابن الصلاح (2).

ويرد على ذلك أن الترمذي يطلق الحسن على أحاديث في وصف جهنم، أو إقامة الحدود ، والعقوبات ، ونحو ذلك (2).

6 – أن الحسن في كلام الترمذي ليس قسمًا للصحيح ، أي ليس قسمًا مستقلاًّ ، بل هو أعم من الصحيح ، والصحيح جزء منه ، وأن المراد بالحسن هنا : أنه معمول به ،وأنه كقول مالك : وعليه العمل ببلدنا ، وأن الترمذي أراد بهذا أن يبين الصحيح المعمول به ، من الصحيح الذي لايُعمل به ، وهو قوله : ” صحيح ” فقط، ويدفع هذا أن الترمذي يقول في كثير من الأحاديث ” صحيح ” .

وعليه العمل أو هو قول فلان وفلان ، بل يدفع هذا من أساسه قول الترمذي في أول ” العلل الصغير ” الذي في آخر جامعه (1): ” جميع ما في هذا الكتاب من الحديث فهو معمول به ، وقد أخذ به بعض أهل العلم ، ما خلا حديثين . . . ” الخ كلامه ، فكيف يؤخذ بذاك القول مع هذا التصريح ، وهو حكمه على كثير من الأحاديث بقوله :”صحيح ” فقط (2)؟!!






(1)انظر ” النـزهة ” ( 93 ) .

(2) انظر ” مختصر علوم الحديث ” لابن كثير ، مع ” الباعث الحثيث ” ( 1 / 141 )

(3)/ 393 ) .

(4)انظر ” النـزهة ” ( ص 93 ) .

(5)نظر ” النـزهة ” ( 93 )

(1)انظر “الموقظة” ( ص 30 ) وكذا ” التدريب ” ( 1 / 162 – 164 ) بل ألزم ابن دقيق العيد القائل بهذا أن يحكم بالحُسن على الموضوع كما في ” الاقتراح ” ( ص 199 ) ورده الحافظ ردًّا شديدًا ، لأن الكلام فيما قال فيه الترمذي ” حسن صحيح ” فكيف يكون موضوعًا ، انظر ” النكت ” ( 1 / 475 ) .

(2)وانظر ” فتح المغيث ” ( 1 / 180 ) .

(2)نظر ” المختصر ” لابن كثير – مع الباعث ( 1 / 140 ) .

(1)( 5 / 392 )

(2)وقد قال بهذا الوجه من الجمع بين كلام الترمذي الشيخ محمد عبدالرزاق حمزة – رحمه الله – ونقله العلامة أحمد شاكرفي ” الباعث ” ( 1 / 140 – 141 ) وتعقبه شيخنا محدث الزمان الشيخ الألباني – رحمه الله – .

للتواصل معنا