الأسئلة الحديثية

كيف تُعْرَف عدالة الراوي عند المحدثين ؟

كيف تُعْرَف عدالة الراوي عند المحدثين ؟

يُعْرَف ذلك عندهم بطرق ، منها المقبول، ومنها المردود، وهي :

1-استفاضة الثناء على الراوي وشُيُوعه بين الأئمة والمحدثين، وهذه الطريق أقوى في إثبات العدالة من مجرد تزكية شخص أو شخصين يجوز عليهما الخطأ في اجتهادهما

وعلى هذا فلا يُقْبَل التجريح فيمن كان كذلك إلا إذا كان مفسَّرًا، ومن المعلوم أن من استفاضت عدالته في الرواية، وحُمِد عند الأئمة، وكان له قَدَمُ صِدْق في نصرة الدين؛ فالجرح المجمل فيه يكون مردودًا، وكثيرًا مايكون من باب كلام الأقران في بعضهم، أو بسبب كلام لا يصح عن المتكلَّم فيه ، أو له فيه تأويل صحيح، أو نحو ذلك مما يُدَافَعُ به عن العلماء .

2-التزكية : وذلك أن ينص إمام أو إثنان – مثلا – من أئمة الجرح والتعديل على أن فلانًا عَدْل، أو ما يقوم مقام هذا القول من العبارات، فيُقْبَل هذا التعديل: سواء كانت التزكية من تلميذ المزَكَّى أو من غيره ، شريطة أن يكون التلميذ أهلا لذلك ، ولم تقع منه محاباة في التعديل لشيخه، وهذا هو الأصل؛ لكونه عدلا، خلافا لمن رد تزكية التلميذ بناء على احتمال المحاباة للشيخ ، وهذا قول مردود؛ إذ لو أن التلميذ حابى شيخه، وعَدَّله – وهو يعلم عنه خلاف ذلك – لسقطت عدالة التلميذ في هذا الموضع، والفرض أنه عَدْلٌ رضى .

3-اختبار الأحوال، وتتبع الأفعال التي يحصل معها العلم من ناحية غلبة الظن بالعدالة. قاله الخطيب.(1)

4-ومنهم من يُطلق القول بأن الأصل في المسلم العدالة، فمن لم يُجَرَّح؛ فهو عدل عنده، وهذا مذهب فيه اتساع غير مَرْضِي، إذ أن الحكم بالإسلام والعدالة الظاهرة شئ، والحكم بالعدالة في الرواية شئ آخر ، فهذا خاص ،والأول عام ، ولايلزم من ثبوت العام ثبوت الخاص .

5-ومنهم من يرى أن مستوري التابعين حجة ، والتحقيق على خلافه .

6-ومنهم من يرى أن الراوي إذا روى عنه جماعة؛ فإنه يكون ثقة، وفيه نظر ، إنما تُرفع عن الراوي بذلك جهالة العين ، إلا إذا كان مشهورًا ، وروى عن الأكابر ، وأهل الانتقاء ، وأخرج حديثه من ينتقي في أحاديث كتابه ، فإن هذا يرفعه إلى الاحتجاج مالم يُجرح ، والله أعلم (2).

7-ومنهم من يرى أن الراوي إذا روى عنه من ينتقي في شيوخه، ولا يروي إلا عمن كان ثقة عنده ؛ فإنه يكون ثقة عنده بذلك ، ومن ثَمَّ يكون ثقة عند غيره؛ لقبول خبر العدل، وفي هذا المقام تفصيل يرد هذا الإطلاق، وليس هذا موضعه (1) .

8-ومنهم من يرى أن الراوي إذا أخرج له صاحبا “الصحيحين” أو أحدهما؛ فإنه يكون عدلا في الرواية، وهو إطلاق غير مقبول ؛ لاحتمال أنهما ما أخرجا له إلا ما علما صحة حديثه ، أو أخرجا له في الشواهد ، ونحو ذلك (3).

9- وتعرف عدالة الراوي – أيضاً- من خلال النظر في كتابه , فإن كان ممن يشك في حديث؛ يضرب على أحاديث بجواره , أو ممن يشك في كلمة ؛ يضرب على الحديث كله ؛ دل ذلك على عدالته وورعه , لأن العادة: أن المحدِّث يحب كثرة الحديث لا قلته ، وربما يضرب الورع على أحاديث يتنافس المحدثون في أخذها عنه، والرحلة إليه بسببها ، فضَرْبُهُ عليها لأدنى شك: يدل على مزيد من الدين والورع ، وقد حصل هذا ليحيى بن يحيى ، ومسعر ، ومالك ، وغيرهم ، انظر كتابي :” شفاء العليل ” (4).

وهذه الطريقة كانت متيسرة للأئمة الأوائل ، الذين كانوا ينظرون في كتب وأصول الرواة ، بخلاف من بعدهم ، والله أعلم .

10- وتُعرف عدالة الراوي ـ أيضًا ـ بروايته عن أبيه ، أو عن شيخ قد اشتهر الرواي بالأخذ عنه ، ومع ذلك يروي عنه تلميذه مرة بواسطة ، ومره يقول : وجَدْتُ في كتاب أبي كذا ، ومره يروي عنه بلا واسطة ، فما الذي يحمله على النـزول في الإسناد عن شيخه ، مع إمكان العلو ، ولو علا في الإسناد ، وروى عنه مباشرة ؛ لم يتعقبه أحد؛ لاشتهاره بالأخذ عنه ؟ولكن الدين هو الذي يجعله ينـزل مع إمكان العلو ، والنـزول غير مرغول فيه عند المحدثين – في الجملة – .

وهذه الطريقة تُعْرَف بها العدالة ـ لما سبق ـ ويُعرف بها الضبط أيضًا ، لأن تمييز الراوي بين ما كان عنده عن شيخه بواسطة مما كان بدون واسطة ؛ يدل على الضبط .

جاء في ” النبلاء “(1):” قال الجرجاني : فسألت يحيى بن معين عن سماع أبي بكر بن أبي شيبة من شريك ؟ فقال: أبوبكر عندنا صدوق ، وما يَحْمله أن يقول : وجَدْتُ في كتاب أبي بخطه ؟ وقال : فتأمل كيف عرف أن أبا بكر صدوق ، وأن ذلك بسبب نزوله مع أنه لو علا ما أنكر عليه أحد ، ولكنها الأمانة العلمية ، والأمانة في البلاغ ، والأمر دين .

وحُدِّثْتُ عن روح بن عبادة بحديث الدجال ، وكنا نظنه سمعه من أبي هشام الرفاعي ” اهـ .

11- اشتهار الراوي بالعلم والعناية به ، واتساع رحلته ، مالم يُجرَّح ، فمثل هذا يحتج به عدالة وضبطًا ؛ إذ لو كان فيه ما ينقض ذلك ؛ لما سَلِمَ من كلام الأئمة ، فإن الهمم متوافرة للكلام في المشاهير الذين يوجد منهم ما يقتضي الجرح . (2)

12- ومنهم من يرى أن تعديل المبهم كافٍ ، بقول أحدهم : حدثني الثقة ، ونحو ذلك،أن هذا كافٍ في التعديل، وهذا غير سديد : فقد يكون ثقة عنده،وليس كذلك عند غيره ، فلا بد من تسمية من حدثه ، والله أعلم(5).

14- ومنهم من يرى ثبوت العدالة بعدم إدخال البخاري للرجل في ” التاريخ الكبير ” وكذا ابن أبي حاتم في ” الجرح والتعديل ” قاله التهانوي (6)وزاد بعضهم كتبًا أخرى في المجروحين ، وهو قول مردود ، وانظر ” اتحاف النبيل ” (7) .

15- ومما يرفع الجهالة عن الشيخ كثرة رواية الراوي المشهور أو المصنف عن هذا الشيخ ، أو وصْفه بغير الحديث : كالقضاء ، والغزو ، والقراءة ، وغير ذلك ، أو تحديد مكان وزمان أخذ الراوي عنه ، فكل هذا يساعد في رفع الجهالة ، لكن الاحتجاج بحديث من كان كذلك فيه تفصيل ، والله أعلم .

وهناك مذاهب أخرى لبعض أهل العلم ، والمعتمد ماسبق اعتماده ، والعلم عند الله تعالى .








(1)“الكفاية” ص141.

(2) وانظر ” إتحاف النبيل ” ( 2 / 81 – 84 ) السؤال ( 207 ) .

(3)وانظر ” الموقظة ” ( ص 79 ) وتفصيل الرد على ذلك فيكتابي : ” شفاء العليل ” ( 1 / 366 – 367 ) .

(4)( ص 379 – 380 ) .

(1) ( 11 / 124 ) ترجمة ابن أبي شيبة عبدالله بن محمد بن أبي بكر .

(2)نظر ” فتح المغيث ” ( 2 / 20 – 21 ) و ” إتحاف النبيل ” ( 1 / 173 – 175 ) السؤال ( 52 ) و ” مفتاح دار السعادة” لابن القيم ( 1 / 495-496 ) ط / دار ابن عفان ، و ” توضيح الأفكار ” ( 2 / 131 ) .

(5)انظر ” فتح المغيث ” ( 2 / 37 ) .

(6)في ” قواعد في علوم الحديث ” .

(7)( 1 / 285 – 286 ) السؤال ( 136 ) و ” تهذيب الكمال ” ترجمة عبدالكريم بن أبي مخارق ( 18 / 65 ) .

للتواصل معنا