الأسئلة الحديثية

من هو العدل وما هي شروط العدالة ؟

من هو العدل وما هي شروط العدالة ؟

تحت هذا الشرط مسائل :

الأُولى : تعريف العدل، وقد عُرِّف بعدة تعاريف .

1-هو: من أتى بالواجبات، وتَرَكَ المحرمات .

2-هو: من كانت له مَلَكَةٌ تحمله على ملازمة التقوى والمروءة (1) .

3-هو: الذي لايجاهر بكبيرة ، ولايُصر على صغيرة .

4-هو: من قارب وسدّد ، وغلب خيرُهُ شرَّه (2).

5-هو: من ترك الكبائر ، وكانت محاسنه أكثر من مساوئه (3).

6-هو: من كان الأغلب في حقه الطاعة ، أو من كان أكثر أحواله طاعة لله (4).

7-هو: المسلم ، البالغ،العاقل ، السالم من أسباب الفسق ، وخوارم المروءة (5).

فاشتراط الإسلام : أخرج الكافر، وهذا الشرط إنما يُشْتَرط في الأداء لا في التحمل ، أي قد يسمع الكافر شيئًا من الرسول – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – حال كفره ، ويؤديه بعد إسلامه ، ويُقْبَل هذا منه لعدالته حال الأداء، لا حال التحمل ، والله أعلم .

قال الحافظ الذهبي في ” الموقظة ” ( ص 61 ) : ” لاتُشترط العدالة حالة التحمل ، بل حال الأداء ، فيصح سماعه كافرًا ، وفاجرًا ، وصبيًّا ، فقد روى جبير – رضي الله عنه –أنه سمع النبي- صلى الله عليه وعلى آله وسلم – يقرأ في المغرب بـ” الطور ” فسمع ذلك حال شِرْكه ، ورواه مؤمنًا(1)” اهـ .

واشتراط البلوغ: أخرج الصغير الذي لم يَبْلُغ، وهذا أيضا إنما يُشْترط في حالة الأداء؛ لأن الصغير قد يتحمل قبل البلوغ، إلا أنه لا يُقْبل منه إلا إذا بلغ؛ لأن البالغ الذي أصبح مكلفا، ويعرف الحساب والجزاء، ونحو ذلك؛ يكون عنده خوف من أن يجازف في القول على رسول الله- صلى الله عليه وعلى آله وسلم – بخلاف الصغير : فإنه لا يُؤْمَن عليه أن يقول على النبي – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – مالم يقل؛ لأنه ليس عنده الإدراك الواسع، أو العقل الكامل، الذي يجعله يخاف ويرتدع .

هذا أَمْرٌ، وأَمْرٌ آخر: أنه قد لايكون عنده ضبط يستطيع به أن يأتي بالحديث على وجهه، واشتراط البلوغ حد منضبط قد عُلِّقَتْ به أمور كثيرة في الشريعة، فاعتماده أولى، وإن كان في النفس شيئ من رد رواية من قارب البلوغ ولم يبلغ بعد، مع توافر ضبطه، وخوفه من المجازفة في القول على النبي – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – فيُنظر : هل هناك من حدَّث قبل البلوغ بالشرط السابق ، ومع ذلك لم يقبلوا منه ؟! وأما ما يذكر بعض أهل العلم (2)منتقدين هذا الشرط بحجة قبول الصحابة رواية صغار الصحابة : كابن عباس ، وابن الزبير، والنعمان بن بشير؛ فليس ذلك ظاهرًا في أنهم حدَّثوا بما حدَّثوا به قبل البلوغ ، أما التحمل في الصغر : فلا إشكال فيه ، والله أعلم .

واشتراط العقل: أخرج المجنون، نسأل الله العافية، والجنون قسمان : مُطَبَّق ومتقطع:

فالأول: هو الذي يكون ملازما للرجل في كل حال، ويُرَدُّ حديثه مطلقا .

أما الثاني: فهو الذي يعتري الإنسان في حال دون حال، فمثله تُقْبَل روايته حال إفاقته، إذا توافرت فيه الشروط الأخرى، وتُرَدُّ حال جنونه .

واشتراط العقل : معتبر في حالتي التحمل والأداء، إذ غير العاقل لايُتَصَوَّر منه تحمل ولا أداء .

واشتراط السلامة من أسباب الفسق: أخرج من وقع في شئ منها، وأصر على ذلك ،أما مجرد الوقوع في الكبيرة فالمسلم غير معصوم من ذلك ، ولو رددْنا رواية كل من وقع في معصية – دون إصرار عليها – ما سَلِم لنا أحد ، والله المستعان .

ولايُؤْمَن في حق من أصر على الكبيرة الكذب على رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم –

وأخرج هذا الشرط أيضًا المجهول الذي لم تتحقق عدالته وسلامته من أسباب الفسق، والمراد بذلك فسق الشهوات، أما فسق الشبهات والتأويل الذي يقع فيه أهل الأهواء والبدع ؛ ففي رواية أهله تفصيبل.

واشتراط السلامة من خوارم المروءة: أخرج من انخرمت مروءته، وفي هذا الشرط مباحث :

الأول :تعريف المروءة :قال بعضهم:هي: أن تَفْعل من المباحات مايَزِينُكَ،وتترك منها ما يَشِينُكَ”. وقال بعضهم: هي:” الصيانة من الأدناس ،والترفُّع عما يَشِينُكَ عند الناس ” .

وقال بعضهم: هي: “ترك المذموم عُرْفًا” .

وهذه أقوال متقاربة في المعنى ، وتدل على المراد، وانظرها وغيرها في كتاب ” المروءة وخوارمها” (1)

الثاني : ضابط المروءة: ليس للمروءة ضابط شرعي معين، وأعمال معروفة في كل عصرٍ ومصر، بل المعتبر في ذلك العرف، وهو يختلف باختلاف البلدان، والأزمان، والأشخاص، فَرُبَّ شئ يكون مستنكرًا في زمن دون آخر، وفي بلدة دون أخرى ومن شخص دون آخر …. وهكذا .

الثالث : لماذا اشترطوا في العدل السلامة من خوارم المروءة ؟

المقصود من ذلك: أن يكون الراوي صاحب صيانة وتَحَرُّزٍ من الأمور التي عُرِفتْ عمن ليس من أهل هذا الشأن: أهل التحرز، والتوقِّي، والسمت الحسن، لأن الراوي إذا لم يكن كذلك؛ فَيُخْشَى منه أن يكون صاحب مجازفة، وتوسُّعٍ غير مرضيٍّ، ويُلْقي الكلام دون مبالاة، فيقول على النبي – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – مالم يَقُلْ، أو لايتورع إذا شك في الوجه الذي تَحَمَّل به الحديث ؛ فيرويه على الوجه المخالف للاحتياط والورع، بخلاف صاحب المروءة والتحرز: فإنه إذا ترفَّع عن النقائص العرفية – وإن كانت مباحة شرعًا – فلن يتجرأ على حديث رسول الله – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – بل سيكون أكثر ترفعا وتحرُّزًا، والله أعلم .

الرابع : هل اشتراط السلامة من خوارم المروءة في العدل شرط نظري وعملي، أم هو شرط نظري فقط ؟

الذي يظهر لي أن الطعن في الرواة بسبب الوقوع في شئ من خوارم المروءة أمر قليل جدا، ومع كونه كذلك : فالإعلال به أقل من القليل، فإني لا أعرف رجلا جمع شروط العدالة: من الإسلام، والعقل، والبلوغ، والسلامة من أسباب الفسق؛ ومع ذلك ضُعِّفَ، ورُدَّتْ روايته بسبب خوارم المروءة ،نعم قد يُتَكَلَّم في الرجل بسبب خوارم المروءة؛ دون أن يفضي هذا الكلام إلى رَدِّ حديثه عند الأئمة، كما جاء عن شعبة أنه قال : قلت للحكم : مالك لم تَحْمِل عن زاذان – يعني زاذان الكندي-؟ قال : كان كثير الكلام اهـ(1)ومع ذلك فقد وثقه غير واحد .

وكذا ترك شعبة حديث رجل بسبب أنه رآه يركض على برذون(2)،باعتبار أن هذا الفعل يخدش في مروءته ، ولكن هذا الطعن لايؤثر في الرجل ، والله أعلم .








(1)قاله الحافظ في ” النـزهة ” ( ص 83 ) .

(2)قاله الصنعاني ، انظر ” ثمرات النظر في علم الأثر ” ( ص 58 ) .

(3)قاله الشافعي ، انظر ” ثمرات النظر ” ( ص 72 – 73 ) .

(4)قاله ابن حبان ، انظر ” صحيح ابن حبان ” ( 1 / 250 ) .

(5)قاله ابن الصلاح ، انظر ” المقدمة ” و ” التقييد والإيضاح ” ( ص 136 ) .

(1)الحديث متفق عليه .

(2)انظر كلام شيخنا الألباني – رحمه الله – في تعليقه على ” الباعث الحثيث ” ( 1 / 280 ) وبنحوه كلام السخاوي في ” فتح المغيث ” ( 2 / 7 )  .

(1)( ص 15 ) وما بعدها لأخينا الشيخ مشهوربن حسن – حفظه الله تعالى – .

(1)” يهذيب التهذيب ” ( 3 / 269 ) .

(2)” الكفاية ” ( ص 182 ) .

للتواصل معنا