بقلم الشيخ

رفع الحجاب في الفرق بين دعوة أهل السنة ودعوة أهل البدع والأحزاب

بسم  الله الرحمن الرحيم

الحمد الله أولاً وآخرًا، باطنًا وظاهرًا، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله المصطفى، ونبيه المجتبى، رحم الله ببعثته أهل الأرض وصان به الدم والمال والعرض؛ فاللهم اجزه عنا خير ما جزيت نبيًا عن قومه،ورسولاً عن أمته، اللهم أحينا على سنته، وأمِتْنَا على ملته،واسقنا من حوضه شربة هنيئة لا نظمأ بعدها أبدًا ـ أما بعد …

ففي هذه الصفحات بيان لكثير من الفروق بين دعوة أهل السنة وغيرهم، والقصد من ذلك بيان الرتبة العلية لدعوة أهل السنة، فيشكر أهلُها ربَّهم على هدايته إياهم لهذا السبيل، فإن شكر النعمة فرع عن معرفتها وتصورها، وأيضًا أردت من ذلك بيان اضطراب الدعوات الأخرى، ليحذر منها المسلمون، ولينخلع منها من وقع فيها ـ وهو يريد نجاة الدنيا والآخرة ـ

وأكثر هذه الأسطر موجودة في أحد أسئلة العدد التاسع من “سلسلة الفتاوى الشرعية” إلا أنني رأيت انتزاعه وتنقيحه والزيادة عليه، ونشره مستقلاً، تحت عنوان ” رفع الحجاب عن الفرق بين دعوة أهل السنة ودعوة أهل البدع والأحزاب”.

وقد نبهت في آخر الجواب أنه يجب الحذر من الإفراط والتفريط، وأن هذه الفروق منها ما هو فرق صحة، ومنها ما هو فرق كمال، فبعضها يفرق بين صاحب الفرقة الناجية وأصحاب الفرق الهالكة، وبعضها يفرق بين الكمال في الدعوة والنقص فيها ـ وإن كان الجميع من أهل السنة ـ وذكرت أيضًا أنه يجب أو ينبغي لمن ينتسب لدعوة أهل السنة  أن ينظر أين هو من هذه الفروق؟ ـ أعني الموافقة للحق منها ـ كي لا يكون انتسابه للسنة مجرد عاطفة أو كلمة باللسان فإن السنة منهج في الاعتقاد والأقوال والأفعال، وإنما احتجت، للتنبيه أيضًا على ذلك في مقدمة هذه الرسالة لأهمية هذا الأمر، وإني أحمد الله عز وجل إذ شاع بين طلبة العلم في هذه الدعوة الاعتدال في الأمر كله، زادنا الله جميعًا بصيرة وثباتًا على الحق، إنه جواد كريم، بر رحيم.

وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

                                                                             كتبه

                                                       أبو الحسن مصطفى بن إسماعيل السليماني

                                                                      دار الحديث بمأرب

  • سؤال: كثرت في زماننا الأهواء، حتى التبس على الكثير من الناس معرفة المحق من المبطل، ونريد أن تبين لنا العلامات الواضحة التي نميز بها بين الرجل الذي يتبع منهج أهل السنة والجماعة، وبين الرجل الذي يسلك سبيل أهل البدع والأهواء والحزبيات، حتى نعرف أهل الحق، فنلزم نهجهم، ونكثر سوادهم، ونعرف أهل الباطل، فنحذرهم، ورحم الله من أغاث ملهوفًا.
  • جواب: هذا الذي ورد السؤال عنه من الأمور المهمة،ومما يعم بها النفع للأمة، وقد سبق أن أمليت كثيرًا من هذه العلامات البارزة في دعوة أهل السنة على طلبة العلم في دار الحديث بمأرب، فأعيد ذكرها ـ إن شاء الله تعالى ـ مع ما تيسر من الزيادة عليها، ولما كان أهل السنة قديمًا وحديثًا ينكرون أقوال وأحوال أهل الأهواء، ويحذرون الأمة من تلكم الأهواء، فرأيت أن أقتدي بهم في هذا الباب، وأذكر ما حضرني من ذلك، مع الاعتناء بما استجد من أحوال، لاسيما وأهل العلم ـ رحمهم الله ـ قد بينوا عقائد الفرق السابقة أيما بيان، وقد كتبت في ذلك رسالة مستقلة سميتها ” السراج الوهاج في صحيح المنهاج” نفعني الله بها في الدارين، فأقول:
  • أهل السنة: يُحَكِّمون الكتاب والسنة بفهم السلف الصالح ـ لهم وعليهم ـ ولا يُقدمون على ذلك عقلاً أو عادة، أو مكاشفة، أو ذوقًا أو منامًا، أو حزبًا، وأما غيرهم فيحكمون بهذه الأمور أو ببعضها على الكتاب والسنة، فما خالفها من الكتاب والسنة حرَّفوه، فإن عجزوا عن ذلك ردوه ، بدعوى أنه يخالف الأصول ـ أي أصولهم هم ـ أو أنه آحاد، أو أنه يخالف مصلحة الدعوة ـ أي فهمهم للدعوة، لا فهم سلف الأمة ـ وقد رحم الله أهل السنة بوقوفهم عند فهم السلف الصالح، وترك ما سواه.
  • أهل السنة: يوالون ويعادون على المنهج السابق بعدل وإنصاف، وغيرهم يوالي ويعادي على هواه وحزبه، فمن وافقهم على ما هم عليه فهو المقرَّب المبجَّل وإن كان فاجرًا شقيًا، ومن خالفهم فهو المعذَّب المهمل، وإن كان عالمًا تقيًا، وكأن من وافقهم فهو من أهل بدر “اعملوا ما شئتم فإني قد غفرت لكم” وكأن من خالفهم فلا تنفعه شفاعة الشافعين.
  • طالب العلم من أهل السنة يعتني بالعلوم الشرعية، ويظهر ذلك عليه بالرحلة لأهل العلم، والاستفادة من علمهم وخُلُقِهم، والاعتماد على ما يثبت من الأدلة الشرعية، والعمل بمقتضى العلم الشرعي بخلاف أهل البدع: فإنهم يُحَذِّرون من علوم السنة وأهلها، ويكرهون علم الإسناد والأثر، ويحرضون طلبة العلم ـ مع هذا ـ على الانكباب على الجرائد والمجلات والصحف اليومية أو الأسبوعية أو نحو ذلك، وأهل السنة لا يمنعون الإطلاع على ذلك، لكن العناية العظمى عندهم بالعلوم الشرعية، وأما غيرهم فإن اعتني بشيء من العلوم الشرعية فبمقدار ما يخدم به حزبه ودعوته أو يشغب به على صغار أهل السنة، أو يشنع به على علمائهم [وَلَا يَحِيقُ المَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ] {فاطر:43}، و“إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى”.
  • السني ـ  لا سيما في حالة الإختيار ـ يعتني بالتصفية الشاملة: في العقيدة وفي العبادة وفي الخطابة والكتابة،وفي المناهج والصفوف، ثم التربية على هذا الإسلام المصفى مما علقه من شوائب الجهل والكيد، وغير السني شعاره الغثائية والحرص على الكم لا الكيف في كل ما مضى،ويَعُدُّ أهل التصفية والتربية متنطعين.
  • أهل السنة: يحرصون أن تكون أسماءهم وألقابهم كما كان عليه سلفهم، لأنهم يعلمون أن التسمية تكون أول أمرها كلمة سهلة، وفي نهاية أمرها تكون ملة ونحلة، فتراهم يتسمون بـ: أهل السنة والجماعة، وأهل الحديث، والفرقة الناجية، والطائفة المنصورة، والسلفيين ونحو ذلك، وأما غيرهم فيسمى نفسه بما اختاره له أميره أو قائد حركته، ويتبرم من الأسماء السابقة، ويضيق بها ذرعًا، فالله المستعان.
  • أهل السنة : أهل اعتدال مع الموافق والمفارق ، فيشهدون بما عند المخالف من حق ـ أن كان في ذلك مصلحة شرعية ـ ويردون على من كان منهم خطأه ـ وكان مقدمًا فيهم ـ، وهمهم في ذلك الذب عن السنة، وغيرهم يغضون الطرف عن زلات أصحابهم ـ وإن كانت في العقيدة ـ ويتتبعون عثرات مخالفيهم ويشنعون بها  عليهم ـ وإن كانت لها وجه احتمال ـ فلسان حالهم يقول:

وعين الرضا عن كل عيب كليلة            كما أن عين السخط تبدي المساويا

  • تاريخ دعوة أهل السنة قديم، فهم يرجعون بدعوتهم إلى ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأصحابه رضي الله عنهم،ومن تبع هداهم ممن جاء بعدهم، وأما غيرهم فتبدأ دعواتهم بمؤسسيها ونُظّارها، وربما نظر بعضهم بلسان الحال أوالمقال إلى هدى محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ الذي هو خير الهدى ـ أنه لا يصلح الوقوف عنده في هذا الزمان، مع أنه لا يصلح آخر هذه الأمة إلا ما صلح به أولها.
  • أهل السنة: يقولون بسلفية المنهج والمواجهة، وغيرهم يقول: سلفية المنهج عصرية المواجهة، ويعني أن الإشتغال في هذا العصر يكون بالحكام وأفعالهم، ولا يُشتغل بمسائل الأسماء والصفات إلا بما يحفظها فقط من الاندثار والنسيان، أما أهل السنة فيعطون لكل شيء حجمه، وعلى ما كان عليه سلفهم، وبما يوافق قواعد السلف في تكميل المصالح وتحصيلها، أو تعطيل المفاسد وتقليلها.
  • منهج أهل السنة كله حق ـ لأنه هو الإسلام ـ والخطأ إنما يكون في آحاد أهل السنة، ولا يجتمعون على ضلالة، ومناهج أهل البدع والحزبيات العصرية لا يمكن أن تكون حقًا من جميع الوجوه، بل فيها حق بمقدار قربها من السنة، وفيها من الباطل بمقدار بُعدها عن السنة، فلو التزم أهلها بجميع أصولها ما حققوا العبودية الصحيحة لله رب العالمين، بخلاف أهل السنة، فالحق مذهبهم، والسنة شعارهم ودثارهم،وغيرهم ليس منهجه بمعصوم ولا إجماعهم بحجة.
  • أهل السنة: يحثون الناس على اتباع العلماء بالدليل الشرعي، ويرجعون إلى أهل العلم في مسائل الاجتهاد التي تتجاذب فيها الأدلة، ويلتبس فيها الأمر على الناظر، فيرون أن اجتهاد أهل العلم خير لهم من اجتهادهم، وإن خالف الطالبُ شيخه لدليل ما، فإنه يترحم على شيخه، ويستغفر له، بخلاف غيرهم، فإنهم لا يرجعون للعلماء، إنما يرجعون لأمراء الجماعات أو نحوهم، ويرمون العلماء بالعمالة والجبن والركون إلى الدنيا، وإن أخذوا بفتوى العلماء فبحسب ما يخدم فكرتهم، وعند ذاك يرفعون من شأن العلماء، فهم علماء لهم عند الحاجة فقط، وإلا فهم عندهم جهلة بواقع الأمة، يوجههم حكامهم للفتوى التي تخدمهم كما يوجه السادة عبيدهم: [كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا] {الكهف:5} !!.
  • أهل السنة: أبعدُ الناس عن الفتن، ودعوتهم تَضْعُف في الفتنة، وغيرهم دعاة للفتن، وإن لم يكن بعضهم داعيًا لها فمنهجه تربة صالحة لازدراع الفتن فيها ـ علم ذلك أم لم يعلم ـ ولما كانت دعوة أهل السنة صافية واضحة، فإنها تربوا في الصفاء والهدوء، وغيرهم يحب الصيد في الغبار أو في الماء العكر، ويتسلق على أكتاف الحوادث، عسى أن ينال بغيته!!.
  • أهل السنة: يعتنون ببناء قاعدة صلبة على المعتقد الصحيح،والاستقامة على أمر الله في الظاهر والباطن، وينظرون إلى القمة في الأمة أنهم محتاجون إلى الدعوة، ليصلح الله بها شأنهم، فينصحونهم بالتي هي أحسن، ويذكرونهم بحق الله عز وجل وحق الرعية ومع أنهم يكرهون ما يأتي منهم ومن غيرهم مخالفًا بحق الله عز وجل فإنهم لا يكيدون لولاة أمورهم المسلمين ـ وإن جاروا ـ بخلاف غيرهم الذين لا يهتمون بالدعوة للعقيدة الصحيحة، وإحياء السنن، وإماتة البدع، إنما جُلَّ همهم متى يثبون على زمام الأمور وإن كانت المجتمعات تعجُّ بالشرك الصراح أو الكفر البواح فإنهم يرون أنه ليس هذا وقت الدعوة إلى ذلك، فإن عجزوا عن مرادهم ألهبوا نار الفتن هنا وهناك، تارة بِدَويّ الانفجارات، وأخرى بضجيج المظاهرات، فتكون النتيجة: [ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ ] {النور:40} وإن كان ذلك عن حسن نية ـ عند البعض ـ إلا أنه لا يسمن ولا يغني من جوع، والله المستعان.
  • أهل السنة: لا يدعون الناس إلى بيعات أو عهود مفرِّقة لصفوف الأمة، إنما يبايعون من ولاه أهلُ الحل والعقد، أو من غلب عليها بشوكته ـ جمعًا للكلمة، وسلامة للصف ـ وينصحون المخالفين بأن يتقوا الله في المسلمين، ولا يزيدوا المسلمين فُرقة فوق فُرقتهم.
  • أهل السنة لا يلعنون الولاة فوق المنابر أو غيرها ، ولا يشهّرون بأخطائهم ولا يهيّجون العامة والدهماء والمتربصين بالأمة عليهم، ومع ذلك فلا يتزلفون إليهم، ولا يحرصون على ملازمتهم، والإنتفاع بدنياهم، بل ينصحونهم النصيحة الصادقة، ويشيرون عليهم بما يعينهم على القيام بحق الله وحق العباد، ويهتمون بالدعوة إلى الله لقوله تعالى: [ُ إِنَّ اللهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ] {الرعد:11} ويسمعون ويطيعون في المعروف ويصبرون على الأذى، ويلجأون إلى الله عز وجل لكشف كُربة المسلمين، ولا يتكلفون في تبرير المواقف، والتماس الأدلة الواهية، فإن الدين النصيحة.
  • السني يبحث عن الدليل، فإن وجده اعتقد ما فيه، وغيره يعتقد أولاً، فإذا طُلب منه الدليل على قوله، ذهب يلتمس الأدلة، حتى لو لم يجد إلا المنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة، وهذا من شؤم الإعتقاد قبل الإستدلال.
  • أهل السنة لا يردون الخطأ بالخطأ، إنما يردون الباطلَ بالحق، والضلالة بالهدى، فلا يهمهم أن يصلوا لمرادهم بأي سبيل، فالغاية عندهم لا تضفى الشرعية على الوسيلة، بل لا بد من شرعية الغاية وشرعية الوسيلة، وغيرهم يهمه كسب المواقف، بحق أو بباطل ، وهو مستعد أن يلبس لكل مجلس قميصًا، وقد يكون متأولاً، وقد يكون مستبصرًا، والمعافى من عافاه الله عز وجل.
  • أهل السنة يتبعون المُحْكَم من الأدلة والمسائل، ويردون الأجزاء إلى الكليات، ويجمعون بين الأشباه والنظائر ويفرقون بين الأضداد، وكلامهم يشد بعضه بعضًا، وفتاواهم ثابتة مستقرة، وإن تغيرت فلقرينة، وغيرهم يتبعون المتشابه من القول، ولا يبالون أن يجتهدوا في تأصيل أصل، وإن كان ينقض أصولاً سابقة لهم، ولذا فكلامهم على مدار الشهر أو أكثر يتناقض، والفتوى ما لم تقيد بالبرهان فلا خطام  لها ولا زمام.
  • الشمولية عند أهل السنة: الدعوة لكل معروف، والنهي عن كل منكر ـ حسب الاستطاعة الشرعية ـ فأهل السنة هم الكاملون في معتقدهم ودعوتهم وعبادتهم، ومنهج تربيتهم وصفوفهم، وإن وجد تقصير فمن جهة الفرد لا من جهة منهجهم، وليست الشمولية: الإنخراط في السياسة العصرية، أو الاعتناء بما يسمى بـ ( المسرح الإسلامي) و (الكرة الإسلامية) وغير ذلك مما يصلح أن يقال عليه: هذا من تسمية الشيء بغير اسمه.
  • أهل السنة يقتصرون على تخطئة المخالف منهم ـ مع معرفة منزلته ـ وأهل البدعة يكفِّرون من خالفهم، وإن كان من أئمتهم، فيقولون: ارتد أو كفر أو نحو ذلك.
  • كثير من الفرق بمذاهب أهل السنة تتظاهر، وعلى الإفصاح بغير مذاهبهم لا تتجاسر، فتراهم لا يفصحون بمذهبهم إلا عند من يثقون به، ويتوارون من الناس من سوء مذهبهم، وخبث طريقتهم، أما أهل السنة فعلى الحق ظاهرون، ولا يضرهم من خالفهم ولا من خذلهم، حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك.
  • أهل السنة يدعون إلى الإتباع والإجتماع ، فهم أهل سنة وجماعة، وغيرهم يدعو إلى اجتماع ولو على خلاف السنة، فيبقى القبوري والرافضي والخارجي وغير ذلك على ما هو عليه وإن مكث سنوات في الدعوة، فطالما أنه يكثر السواد!! فقد أدى الذي عليه عندهم!!، وفي مقابل هؤلاء من يعتني بمسألة ـ دون النظر إلى حال الناس ـ وإن تفرقت الأمة، والحق وسط بين طرفين.
  • أهل السنة: يربطون الناس بالدليل الشرعي، وفهم أهل العلم، وغيرهم يربطون الناس بالبيعات والعهود، فإذا أرادوا أن يصححوا سيرهم، ويلتزموا بمنهج السلف، هددوهم بالأحكام التي تلزم ناقض العهد وناكث البيعة، بعد ما أقنعوهم بأن “من مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة الجاهلية” مع أن المقصود من هذا الحديث بيعة من ولاه الله أمر المسلمين، واجتمع عليه المسلمون، كما فسّره الإمام أحمد رحمه الله.
  • أهل السنة لا يتصدر دعوتهم جاهل بالشرع، ولا مثير فتنة، ولا من يلهث وراء الدنيا، بخلاف غيرهم فقد يترأس فيهم من ليس له صلة بالعلم الشرعي أو معتقد السلف، بل ربما تولى مركز التوجيه والقيادة.
  • أهل السنة أعلم الناس بالحق، وأرحم الناس بالخلق، فأصولهم وقواعدهم قائمة على استقراء تام، وغيرهم يعرف بابًا من العلم ويضيع أبوابًا، ويقيم أصلاً، ويهدم أصولاً، فأهل السنة هم أهل العلم، فتراهم يرحمون الخلق رحمة شرعية، ويعطون لكل قدره، فلا يرفعون وضيعًا ولا يضعون رفيعًا، ولا يبخسون الناس أشياءهم، ورُبَّ عِلْمٍ عند مبتدع لولا تعريف أهل السنة به لذهب عمله.
  • أهل السنة: ينطلقون من القواعد الشرعية، ولا يطلقون لأنفسهم العنان في التدخل في ضمائر الخلق، إنما يتعاملون مع الناس حسب الظاهر ـ مع الحذر إن احتاجوا لذلك ـ ويكلون السرائر إلى الله عز وجل، وأما غيرهم فينطلق من العواطف الحماسية، ويتدخل في ضمائر الخلق، ويُحَمّل كلام الغير مالا يحتمل.
  • أهل السنة يقبلون النصح بدليله ـ ولو من مخالف ـ وغيرهم يعد النصح سبًا لأهل العلم، وربما عدة تشهيرًا وتشنيعًا، وأحسن أحواله أن يرده بدعوى أنه نقد ليس بـ”بنَّاء” ـ كما يقولون ـ والحق ضالة المؤمن، حيثما وجدها أخذها.
  • أهل السنة ـ وإن اختلفوا في الفهم ـ لم يتنافروا فيما بينهم، وغيرهم يتنافرون تنافر الغربان، وربما حقد بعضهم على بعض، بل ربما لعن خَلَفُهم سلفَهم.
  • السرية عند أهل السنة في حدود ما جاء في الشرع، وأما غيرهم فيكتمون حقيقة دعوتهم حتى على العلماء، خشية أن يحذّروا منهم، لو أفصحوا لهم بحقيقة ما يدعون إليه، فينطبق عليهم حديث: “الإثم ما حاك في نفسك، وكرهت أن يطلع عليه الناس” رواه مسلم.
  • أهل السنة: لا يكفِّرون فاعل المعصية ـ ما لم تكن كفرًا أكبر ـ ولا يكفّرون مخالفهم في التأويل، ويعرفون أدآب الخلاف، ويفرقون في ذلك بين نوع المسائل، وأحوال المخالفين، مع النظر في المصالح والمفاسد.
  • أهل السنة يحبون أصحاب رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم جميعًا، ويُنزلون كل واحد منهم منزلته، بدون إفراط أو تفريط، ويكفون عما شجر بينهم، ويترضون عنهم جميعًا، وغيرهم من أهل البدع، يكفِّر الصحابة أو يفسقهم، أو يتنقصهم، وينشر الكذب في مثالبهم، ويوغر الصدور على أكثر الصحابة، ومنهم من بشر بالجنة، فالله المستعان.
  • أهل السنة يحبون أولياء الله الصالحين، ويؤمنون بكراماتهم، ولكن لا يدعونهم من دون الله، ولا يفزعون إليهم في الشدائد، ولا يتوسلون بجاههم ولا ذواتهم، إنما يتوسلون إلى الله بالعمل الصالح، أو بدعوة الصالح من الأحياء، وغيرهم من أهل البدع والخرافات يتخطبط في هذا بما لا نهاية له.
  • أهل السنة لا يفتحون الباب للاستحسان بدون ضوابط شرعية، لعلمهم أن هذا الباب قد زلت فيه أقدام، ولأنهم يسعون لسد ذرائع الشر، وأما غيرهم فَحَدِّثْ ولا حرج.
  • أهل السنة يُصَلُّون وراء كل بر وفاجر من المسلمين، ويلقون السلام على من عرفوا ومن لم يعرفوا، وأهل الأهواء لا يصلون إلا وراء من كان على شاكلتهم، ولا يسلمون إلا على من وافق أهوائهم،وإن سلموا على أهل السنة لوّوا ألسنتهم، وحرفوا الكلم عن مواضعه.
  • أهل السنة لا يتسرعون في رمي المخالف لهم بالضلال ونحوه، ويعلمون أن الحكم على الناس عبادة، لا بد فيها من الإخلاص والمتابعة، ولا يعاملون مجازفة غيرهم بمثلها، فإنهم يعلمون أن أعراض الناس حفرة من حفر النار، ولا يجعلون لازم قول مخالفهم قولاً له، إلا إذا التزمه ورضي به، ولا ينزلون نصوص الوعيد على المعين إلا بشروط معروفة عند العلماء، وأما غيرهم فالحكم على مخالفه بالتشهي وبما يخدم حزبه ودعوته فبحرٌ لا ساحل له، وفي سبيل ذلك فإن الدماء والأموال والأعراض حلال ـ عند بعضهم، أو جُلّهم ـ، والله المستعان.
  • أهل السنة يَزِنُون الرجال بمقدار تمسكهم بالحق ونصرتهم للسنة، ويقولون: الحق لا يُعْرَف بالرجال، ولكن اعرف الحق تعرف الرجال ، وغيرهم ربما رفع الرجل لأنه خطيب مفوه، أو ناقد لاذع، أو أنه يُشهّر بالولاة وحاشيتهم، بدعوى أنه جريء في الصدع بالحق!! دون النظر إلى صحة معتقده، أو سلامة نهجه، أو المفاسد التي تترتب من وراء ذلك.
  • أهل السنة لا ينكرون تأثير السحر والسحرة، لكنهم يعتقدون أنهم لا يضرون أحدًا إلا بإذن الله عز وجل، ويرون علاج ذلك بالرقية الشرعية، ولا بالطلاسم البدعية الشركية.
  • طلبة العلم من أهل السنة لا يردون إجماع العلماء ـ إذا ثبت ـ وينبغي معرفة أن هناك من يتساهل في دعوى الإجماع ـ فيدعيها في موضع اشتهر فيهم النزاع، أو يهمل قول المخالف ، ويرى خلافه ليس خلافًا.
  • أهل السنة يبتعدون عن التشبه بالمشركين في كل شيء ـ مما هو من خصائصهم ـ وغيرهم ربما عد ذلك تشددًا أو اشتغالاً بالقشور، فإلى الله المشتكى.
  • أهل السنة يرون جواز الجرح والتعديل في كل زمان، إذا قام به من تأهل لذلك، وكان من أهل العلم والحلم، وقصد بذلك الذب عن السنة، وغيرهم يقول بسد هذا الباب، مع أنه قد فتحه لنفسه وأتباعه على مصراعيه.
  • أهل السنة لا يستوحشون من قلة السالكين، ولا يغترون بكثرة الزائغين، وغيرهم يُخدع بالكثرة،فيرى أن الحق مع الكثرة، ويستبعد أن يكون العدد القليل مصيبًا، مع أن الله عز وجل قد حذّر من الاغترار بالكثرة.
  • أهل السنة دعوتهم قائمة على العلم والأصالة، وغيرهم أقام دعوته على جهل وضلالة ـ وهم في هذا بين مُقِلٍّ ومستكثر ـ.
  • أهل السنة يأخذون بالدين كله ـ حسب الاستطاعة الشرعية ـ، ولا يتركون سُنَّةً من أجل واجب، فضلاً عن تركهم واجبًا لواجب ـ ما أمكن الأخذ بالجميع ـ لأن الكل من عند الله، وبلغه رسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وتناقلته الأمة جيلاً بعد جيل، أما غيرهم فَيُقَسِّم الدين إلى قشور ولباب، ويا ليته أحسن هذا التقسيم، فيكون البلاء أخف، فلربما جعل الدعوة للتوحيد، والتحذير من الشرك والبدع، من القشور التي لا حاجة لها، أو أنها تفرق الأمة، ولو سلمنا بهذا التقسيم، فمتى يسلم اللبُّ إذا كان بدون قشر؟!.
  • أهل السنة يقابلون حجة الخصم بالحجة الشرعية، لأنهم واثقون من صحة دعوتهم، قال تعالى: [وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا] {الفرقان:33} وإن كان الحق مع خصومهم رجعوا إليه، وأخذوا به، لأن الحق ضالتهم، أما غيرهم فإن عجز عن الدليل فزع إلى التهديد والتهويل.
  • أهل السنة إذا دعَوا الناس إلى الإجتماع والتعاون، فيعنون بذلك الاعتصام بالكتاب والسنة، والتعاون على البر والتقوى، وغيرهم إذا دعا للإجتماع فيعني بذلك التكتُّل على قواعد حزبه، والبيعة لأميره، والدعوة لنهجه، سواء وافق منهج السلف أم لا.
  • أهل السنة يرون أن تفرق المسلمين إلى جماعات متناحرة متنافرة، مرض من الأمراض الخطيرة على الدعوة إلى الله ومستقبلها، فيجب علاجه أو إزالته، لأن الله عز وجل نهى عن التفرق، وأمر بالإعتصام بحبله، وغيرهم يرون أن هذه التكتيلات ظاهرة صحية، فإلى الله المشتكى؛ متى كان التفرق سبيلاً للاجتماع؟!.
  • أهل السنة يحتكمون للدليل ـ بعد التأكد من سلامته ـ،  ويحاولون إصلاح الواقع ـ بالحسنى ـ ليتفق مع الدليل، وغيرهم إذا طُلب منه الدليل على قوله أو فعله، قال: أين البديل؟! وكأنه قد جعل الواقع أصلاً، وإذا خالفه الدليل قدم الواقع، بل ربما دافع عن الواقع المخالف، فأصبح داعيًا للتبرير لا للتغيير.
  • أهل السنة لا يستبطئون ثمرة جهودهم الموافقة للكتاب والسنة، لأنهم يعلمون أن الله عز وجل أمرهم بالعمل، وأما النصر والثمرة فقد تكفل الله عز وجل بذلك ، أما غيرهم فيقول: لنا سنوات نعمل ولم نحصل على شيء، فيقع في اليأس، فيقفز إلى مناهج منحرفة، فيزيد الطين بِلَّةً، وهذا كله لأنه لا يرى نشر السنن وإماتة البدع نصرًا، إنما النصر عنده ـ فقط ـ الوصول إلى سُدَّةِ الحكم.
  • أهل السنة يرون الجهاد في سبيل الله من أفضل الأعمال، وأنه ليس مقتصرًا على القتال بالسلاح، فالدعوة إلى الله عز وجل أعظم وأنفع صورة للجهاد في هذا الوقت، ويرون أن الجهاد بالسلاح له شروط وضوابط يُرجع فيها لأحكام الشرع وبفتوى علماء الأمة، وأما غيرهم ربما قتل بعض المسلمين، أو فجّر مؤسسة أو مبنى أو نحو ذلك، وعد ذلك جهادًا، وعلماء السنة يرون ذلك فتنة، وينكرون إثارة الفتن بين المسلمين، وفي ديار الإسلام، بل ويرون أن قتال الكفار لا بد من توفر شروطه، وانتفاء موانعه.
  • أهل السنة يرون وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالتي هي أحسن، وينظرون مع ذلك في عواقب الأمور، فإن أدى ذلك إلى منكر أكبر صبروا، أما غيرهم فربما دعا الأمر وإن هدم به أمورًا أقرب منه إلى الله عز وجل.
  • أهل السنة ينكرون المنكر بجميع صوره، ويعطون لكل منكر قدره في الإنكار ـ حسب الإستطاعة الشرعية ـ ولا يتركون النصيحة لمن يناصرهم في إزالة منكر ـ إذا وجدوا المجال لذلك مناسبًا ـ، وأما غيرهم  فلربما والَى باطلاً ضد باطل آخر، أو أعطى أهله فوق قدرهم، مما يؤدي إلى قوة شوكة أهل الباطل، وفرق بين الاستفادة من فاجر في نصرة الدين، وبين الترقيق من بدعته وفجوره، أو تلميع شأنه، مما يؤدى إلى تمكنه وظهوره.
  • أهل السنة لا يفرحون بعثرة المخالف وزلته، بل يدعون الله عز وجل له بالهداية والسداد، ولهم في رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أسوة حسنة، والذي كان يحب هداية المشركين ـ فما ظنك بالمسلمين؟ ـ وكان يدعو لهم فيقول: “اللهم اغفر لقوي فإنهم لا يعلمون”، وأما غيرهم فيحب إشاعة الفاحشة في الذين آمنوا، وربما استعمل سيف الكذب والبهتان في التشنيع، وربما حملته جاهليته على تعبير المخالف له بأبيه وأمه!!.
  • أهل السنة لا يعتقدون صحة أي نظام أو قانون يخالف كتاب ربهم وسنة نبيهم صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ فيما خالف فيه ـ لكنهم يرون تغيير ذلك بالحكمة والموعظة الحسنة، ويراعون في ذلك المصالح والمفاسد، وأما غيرهم فمواقفهم متضاربة، وفتاواهم متعارضة، والله المستعان.

وهناك مسائل كثيرة منثورة على صفحات “السراج الوهاج في صحيح المنهاج” فارجع إليها.

  • إلا أنه لا يفوتني أن أنبه على أن هذه المسائل التي ذكرتها لا يلزم منها أن من خالفنا في أي مسألة منها كان خارجًا عن أهل السنة والجماعة، أو كان من الفرق الهالكة، نعم، فيها بعض المسائل من هذا الصنف، وبعضها لا تنهض لإخراج المخالف من أهل السنة والجماعة، إنما يكون بها مخالفًا لأهل السنة ـ وإن كان منهم في الجملة ـ أقول هذا درءًا للإفراط والتفريط معًا.
  • وأيضًا لا يفوتني أن أقول: هذه المسائل قد يخالف فيها من هو منتسب لدعوتنا، من طلبة العلم، فلا نجامله ولا نحابيه لأنه قريب منا!! فإن الحق أحب إلينا من كل أحد،فالمخالف لما هو حق من هذه المسائل مخالف ـ وإن كان مِنَّا ـ لأننا لا نكيل بمكيالين، مع أن من اشتهر بالدفاع عن السنة أعلى وأجل في قلوبنا ـ وإن خالف ـ إلا أن الدين النصيحة لله ولرسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ولكتابه، ولأئمة المسلمين وعامتهم.

هذا ما يسر الله بكتابته، والحمد الله أولاً وآخرًا.

وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

كتبه

أبو الحسن مصطفى بن إسماعيل السليماني

دار الحديث بمأرب

22/3/1419هـ

للتواصل معنا