الأسئلة الحديثية

هل هناك فرق بين قولهم: «هذا حديث منكر» وبين قولهم في أحد الرواة: «منكر الحديث»؟

هل هناك فرق بين قولهم: «هذا حديث منكر» وبين قولهم في أحد الرواة: «منكر الحديث»؟

نعم، هناك فرق بين قولهم: «هذا حديث منكر»، وبين قولهم: «فلان منكر الحديث»، فإنَّ الحديث المنكر لا يستشهد به،([1]) لكن الرجل الذي يقولون فيه: «هو منكر الحديث» ليس معنى هذه العبارة أن كل حديثه منكر، بل قد يقولون  فيه: «هو منكر الحديث» ليس معنى هذه العبارة أن كل حديثه منكر، بل قد يقولون هذه العبارة، ويقصدون حديثاً واحداً من أحاديثه، وقد يطلقها بعضهم، ويقصد بذلك أنه ينفرد عن غيره من الثقات بأحاديث، وإن كان محتجّاً به في هذه الأحاديث، كما يطلقها أحياناً الإمام أحمد – رحمه الله –([2]) ويحيى بن سعيد القطان والبرديجي، وغيرهم، وهذه مسألة قد بيَّنت الكلام عليها في «شفاء العليل» في باب المصطلحات الخاصة للأئمة([3])، لكن الذي نحن بصدد الكلام عنه الآن، أن قولهم: «فلان منكر الحديث» ليس معناه أن كل ما يرويه منكر، أو أنّه متروك الحديث، بل يكون ذلك لوجود بعض المناكير في روايته، فيحكم على حديثه بالنكارة، وليس معناه أ، كل الذي رواه ينطبق عليه هذا الحكم، بخلاف قولهم: «الحديث الفلاني منكر» فهذا لا يستشهد به.

والصواب أو الأصح من أقوال أهل العلم، أن قولهم في الراوي: «منكر الحديث» يصلح في الشواهد، والمتابعات، وقد أشار بل صرّح بذلك العراقي في منظومته،([4]) ونجد العلماء كثيراً ما يقولن: «منكر الحديث لا يحتج به إذا انفرد».([5])

وأزيد المسألة إيضاحاً فأقول: معلوم أَنَّ الإمام البخاري – رحمه الله – لطيف العبارة في التجريح، ومعنى أنَّه لطيف العبارة في التجريح: أنَّه  يستخدم عبارات خفيفة الجرح، ويقصد بها الجرح الشديد([6])، ورأيناه يقول: كل من قلت فيه منكر الحديث فلا تحل الراوية عنه،([7]) وهذا مع ما فهمنا من أنَّه لطيف العبارة في التجريح، يدل على أن هذه الكلمة خفيفة الجرح، وأطلقها البخاري في الجرح الشديد.

فنحن نجد بعض طلبة العلم، بل وبعض الأفاضل، يقول: إنَّ من قيل فيه: «منكر الحديث» فلا يستشهد به، فأقول: إنَّ هذا القول بعيد عن الصواب، والذي يقرأ في كتب التراجم وكتب أهل الجرح والتعديل يجدهم أيضاً يصرحون بأنَّ من قيل فيه: «منكر الحديث» يكتب حديثه، ولا يحتج به، ولذلك أدخلتها في «شفاء العليل» في المرتبة الثالثة من مراتب التجريح، تلك المرتبة التي يستشهد بأهلها، وهي آخر مراتب الشواهد، نعم هناك في بعض التراجم ما يخالف هذا لكنّه نادر، وقد فصلته في موضعه.

بقي أن يقال: هناك من يطلق: «فلان منكر الحديث» على مجرد التفرد كما ذكرت آنفاً، وهناك من يطلق قولهم، «حديث منكر» على الحديث الموضوع الباطل الذي فيه نكارة في معناه وفي متنه،([8]) لكن هذه مواضع يستطيع طالب العلم اليقظ أن يتنبه لها في موضعها، فيستطيع بفضل الله عزّ وجلّ أن يميز بينها والله أعلم.



([1]) قال ابن رجب رحمه الله في «شرح علل الترمذي» (ص:85): في رواية إسحاق بن إبراهيم بن هانئ وقد سأله أي: سأل أحمد ترى أن نكتب الحديث المنكر؟ قال: المنكر أبداً منكر، قيل له: فالضعفاء؟ قال: قد يحتاج إليهم في وقت كأنه لم يرَ بالكتابة عنهم بأساً. اهـ.

فانظر إلى عبارة الإمام أحمد رحمه الله -: المنكر أبداً منكر، مع إذنه بالكتابة عن الضعفاء مما بيّن عدم الاعتبار بالمنكرات، وعدم دخولها في باب الشواهد والمتابعات بخلاف رواية الضعفاء الذين خفّ ضعفهم، والله أعلم.

([2]) ومن ذلك ما جاء في «الميزان» ترجمة محمد بن إبراهيم التيمي المدني (6/33) قال أحمد بن حنبل: في حديثه شيء يروى مناكير، أو قال: أحاديث مناكير، قال الذهبي وثّقه الناس، واحتجّ به الشيخان وقفز القنطرة. اهـ.

([3]) انظر «الشفاء» (310-311) وانظر كذلك «شرح العلل» لابن رجب رحمه الله (ص:252-255) والله أعلم.

([4]) قال العراقي رحمه الله -:

ليس بشيء لا يساوي شيئاً                   ثم ضعيف وكذا إن جيئا

بمنكر الحديث أو مضطربه                  واهٍ وضعّفوه لا يحتج به

وقال رحمه الله في شرحه للألفية المسمى بـ «التبصرة والتذكرة» (2/10-12): وكل من ذكر من بعد شيئاً أي: من بعد قولي: (لا يساوي شيئاً) فإنّه يخرج حديثه للاعتبار وهم المذكورون في المرتبة الرابعة والخامسة… إلخ.

([5]) ومن التراجم التي تدل على ذلك، ما جاء في «تهذيب التهذيب» (4/289) ترجمة سلامة بن روح الأموي.

قال فيه أبو زرعة: «ضعيف منكر الحديث يكتب حديثه على الاعتبار».

([6]) قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في «هدي الساري» (ص:480): وللبخاري في كلامه على الرجال توقٍ زائد وتحرٍّ بليغ يظهر لمن تأمل كلامه في الجرح والتعديل فإن أ:ثر ما يقول: سكتوا عنه، فيه نظر تركوه، ونحو هذا وقلّ أن يقول كذب أو وضّاع، وإنَّما يقول كذبه فلان رماه فلان، يعني: الكذب… إلخ.

وقال الحافظ ابن كثير كما في «اختصار علوم الحديث» (ص:106):… والبخاري إذا قال في الرجل «سكتوا عنه» أو «فيه نظر» فإنّه يكون من أدنى المنازل وأردئها عنده ولكنّه لطيف في التجريح اهـ والله أعلم.

([7]) جاء في «الميزان» ترجمة أبان بن جبلة الكوفي، قال البخاري: «منكر الحديث» قال الذهبي: ونقل ابن القطان أن البخاري قال: كل من قلت فيه: «منكر الحديث» فلا تحل الراوية عنه (1/6).

([8]) قلت: ومن الأمثلة على إطلاق المنكر على الموضوع أو الباطل ما ذكره الشيخ الألباني رحمه الله تعالى في «السلسلة الضعيفة» (1/رقم 170) (ص:206-207) في حديث «إنَّ آدم صلى الله عليه وعلى آله وسلم لما أهبطه الله تعالى إلى الأرض قالت الملائكة: أي رب! (أتجعل فيها من يفسد فيها…) الآية… إلخ.

قال الشيخ حفظه الله تعالى -: «باطل مرفوعاً» وذكر ضمن بحثه فيه قول ابن أبي حاتم في «العلل» (1/69-70) «سألت أبي عن هذا الحديث فقال: هذا حديث منكر» حاتم في «العلل» (1/69-70) «سألت أبي عن هذا الحديث فقال: هذا حديث منكر» وفي نفس المصدر (ص:181-182) حديث ثلاث لا يعاد صاحبهن… الحديث برقم (150) قال الشيخ موضوع… وذكره الحافظ في «التهذيب» من منكرات الخشني، وقال أبو حاتم: هذا باطل منكر، قال الشيخ عبدالفتاح أبو غدة: ولفظ: «منكر» كثيراً ما يطلقونه على (الموضوع) يشيرون بذلك إلى نكارة معناه مع ضعف إسناده وبطلان ثبوته كما تراه شائعاً منتشراً في كتب «الموضوعات» وكتب الرجال المجروحين، مثل كتاب «ميزان الاعتدال» للحافظ الذهبي وكتاب «تنزيه الشريعة المرفوعة عن الأخبار الشنيعة الموضوعة» لابن عراق، وغير هذين الكتابين… إلخ.

للتواصل معنا